د. غانم النجار | جريدة الجريدة – الكويت
اطلعت أخيراً على رسومات تخيلية للفنان رالف ستيدمان عن رواية جورج أورويل “مزرعة الحيوانات”، وقد أعادت تلك الرسومات الصورة إلى واقعها، دون إفراط في الخيال. تعيدنا تلك الرواية الخيالية إلى واقع الحال، مع أنها كانت قد نُشرت أول ما نُشرت في ١٩٤٥.
كتب جورج أورويل روايته “مزرعة الحيوانات”، في زمن غير الزمن، يحاكي فيه أشياء أخرى، ولكن يبدو أنه كان يحاكي طبيعة البشر التقليدية في التعامل مع القوة. تعد الرواية واحدة من أهم الكتب تأثيراً في الفكر السياسي الحديث، وتأتي مع رواية “١٩٨٤” كأهم عملين من أعمال أورويل برؤيتهما لمستقبل العالم.
تدور أحداث الرواية في مزرعة افتراضية يديرها صاحبها المتسلط “مستر جونز”. ونظراً لتسلطه، أعلنت الحيوانات ثورتها على الإنسان، ونجحت في السيطرة على مقدرات الأمور. كان حكيم الثورة الخنزير العجوز “أولد ماجور” قد حدد مبادئ الثورة على النحو التالي: “معاداة الإنسان المتسلط، وترسيخ العدالة والمساواة بين كل من يمشي على أربع، أو لديه جناحان”.
ما إن انتصرت “الثورة” بقيادة الخنزيرين “نابليون” و”سنوبول”، وتم طرد الإنسان “مستر جونز”، ومات حكيم الثورة “أولد ماجور”، حتى بدأت مبادئ الثورة تتسرب شيئاً فشيئاً، ولم يصبح المجتمع “الحيواني” الجديد أحسن حالاً، فها هو “نابليون” يطرد رفيق دربه “سنوبول” ويستأثر بالسلطة، ويستعين بمجموعة من الكلاب التي دربها منذ كانت صغيرة لتكون جهاز أمنه الخاص، وقام بتعيين الخنزير “سكويلير” لتولي مهمة الإعلام والدعاية لتبرير سياسات “نابليون”، وإقناع الحيوانات بحكمته ورُشد قراراته، وهكذا أصبحت السلطة الجديدة أسوأ من سلطة الإنسان الذي أطيح به، ومن ثم أصبح الخنزير هو الإنسان الجديد في المزرعة.
استمر “نابليون” في نهجه المتسلط، ليبدأ بلعب نفس اللعبة المصلحية التقليدية مع “بليكنغتون”، وهو إنسان يملك مزرعة مجاورة لمزرعة الحيوانات، واتفقا مصلحياً على العودة إلى أصول اللعبة، السلطة المطلقة، المفسدة، الفاسدة.
المشهد الحزين المكرر لخّصه أورويل في ختام الرواية: “… كانت الأصوات متشابهة، لا حاجة للسؤال الآن عما قد حدث لوجوه الخنازير… تنظر الحيوانات في الخارج إليهم، من خنزير إلى إنسان، ومن إنسان إلى خنزير، ثم من خنزير إلى إنسان، حتى بات مستحيلاً القول من هو الإنسان ومن هو الخنزير”.
حقا لقد صار صعباً على الإنسان الطبيعي، في خضم التدليس والتشويه والتضليل وحالة الاستلاب، أن يُفرّق.
يموت الخنزير بسبب الإنسان، أو يموت الإنسان بسبب الخنزير، لا يبدو أن هناك فرقاً.
الحكاية مكررة، ويبدو أن التسلط وقهر الآخر وقمع الحرية صارت مكونات فطرية لدى من بيده سلطة ونفوذ.
رابط المقالة aljarida.com/articles/1566751724795173900/