د عبدالحميد الانصاري | الجريدة – الكويت

يقوم الفهم السلفي على اعتقاد راسخ بأن فهم السلف الصالح للقرآن الكريم والسنة النبوية، هو الفهم الصحيح والسليم الذي ينبغي أن نأخذ به ونتمثله ونتمسك به ونطبقه في حياتنا ومجتمعاتنا وسلوكياتنا وعلاقاتنا، لأن السلف، هم الأقدر على فهم الإسلام، لأنهم صحبوا الرسول، عليه الصلاة والسلام، وتربوا ودرسوا وتعلموا في مدرسته، وخبروا وعايشوا أسباب وأحداث نزول القرآن، وقد أثنى الله تعالى ورسوله عليهم.

ما مستند هذا الفهم؟

أولاً: الأحاديث التي تدعو إلى التمسك بهدي الصحابة، رضوان الله تعالى عليهم، بوصفهم مصابيح الهدى والطليعة المؤمنة، والأسوة والقدوة بعد النبي عليه الصلاة والسلام، منها حديث «وعظنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع، فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار».

ثانياً: حديث الفرقة الناجية، الذي حصر النجاة من النار في فرقة واحدة، تتبع ما عليه الرسول وأصحابه الذين استقاموا على دين الله وساروا على نهج النبي ونهج أصحابه، كما يقول الشيخ ابن باز، رحمه الله تعالى في إجابته عن سؤال: من هي الفرقة الناجية؟

ما معنى ذلك؟

معنى ذلك أن فهماً واحداً للقرآن والسنة، ينبغي أن يسود على مر الزمان، ويحكم حياة المسلمين ومجتمعاتهم إلى يوم الدين، ولكن هل ذلك صحيح؟ وإذا كان صحيحاً، فهل ذلك ممكن؟!

نحن نعرف:

أولاً: أن التغير قانون الحياة، وأن الاختلاف قاعدتها الأبدية، بالنص القرآني نفسه «وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ»، أي من أجل الاختلاف المؤدي إلى التطور العلمي والمعرفي والحضاري، كما شرحته في مقالي «اختلاف المصلين حكمة عليا».

ثانياً: القرآن الكريم، وكما هو معروف «حمَّال أوجه»، كما قال السلف أنفسهم، فكيف يستقيم هذا القول مع فرض فهم واحد على المسلمين مع اختلاف بيئاتهم وطباعهم وعقلياتهم؟!

ثالثاً: السلف أنفسهم اختلفوا، فكيف نجعل فهماً سلفياً معيناً أفضل من غيره؟!

رابعاً: إذا رصدنا الحياة الواقعية للنص القرآني والنبوي من تاريخ صدوره وعلى مر العصور إلى يومنا، لا نجد اتفاقاً على فهم واحد أو تفسير واحد أو تأويل واحد لأي نص ديني! لا يوجد نص ديني واحد محل اتفاق الجميع، إلا في القطعيات اليقينيات التي لا تحتمل تأويلاً أو تخصيصاً أو نسخاً، وهو قليل، وهذا هو سر عظمة الدين وخلوده.

خامساً: إننا نضيق واسعاً ونبخس فهم القرآن الكريم، حينما نقصر فهمه وتأويله على معطيات عصر السلف الصالح، عطاء القرآن الكريم مفتوح ومستمر لكل العصور والأزمان والمجتمعات، والنص القرآني في انفتاح دائم على مقتضيات كل زمن، ولهذا تكاثرت التفاسير القرآنية على امتداد التاريخ الإسلامي، ولو كان فهماً واحداً متعيناً، لاكتفى المسلمون بتفسير واحد، وهذا ما يفسر أنه لا يوجد تفسير للقرآن الكريم، منسوب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، أو أحد من صحابته الكرام، لهذا قال عمر بن عبدالعزيز، رضي الله تعالى عنه: «ما أحب أن أصحاب محمد، صلى الله عليه وسلم، لا يختلفون، لأنه لو كان قولاً واحداً لكان الناس في ضيق».

سادساً: الاختلاف بين الناس من ثوابت النظام الكوني، أقره القرآن الكريم كما أسلفنا، والعلم والتاريخ.

سابعاً: أما حديث «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين»، فمطعون فيه سنداً ومتناً (راجع: دراسة نقدية للحديث، د. محمد سعيد حوى، د. عبدعيد الرعود، الباحثان بكلية الشريعة، جامعة مؤتة، موقع فضيلة الشيخ سعيد حوى)، ومثل ذلك يقال عن حديث الفرقة الناجية (راجع: موقع الشيخ د. حاكم المطيري)

أخيراً: تحديات التغير والتغيير كبيرة، ولا فكر ولا فهم ولا أيديولوجية بمنأى عنهما، طوعاً أو كرهاً، وآية ذلك أن الفهم السلفي اليوم غيره بالأمس.

رابط المقالة http://www.aljarida.com/articles/1564933646369659800/