د جاسم حسين | الاقتصادية

أقل ما يمكن أن يقال عن تقرير الحرية الاقتصادية لعام 2010 الصادر من قبل مؤسسة هيريتاج فاونديشن وصحيفة ”وول ستريت جورنال” الأمريكيتين بأنه غير عادل فيما يخص ترتيب دول مجلس التعاون الخليجي. من جملة الأمور المثيرة، حصلت البحرين على المرتبة رقم 13 دوليا من بين 179 اقتصادا مشمولا في التقرير. في المقابل، تم تصنيف قطر والكويت وعمان والإمارات والسعودية في المراتب 39 و42 و43 و46 و59 على التوالي.

 

بعض المبادئ

تؤمن كل من مؤسسة هيريتاج فاونديشن وصحيفة ”وول ستريت جورنال” ذات التوجهات المحافظة بضرورة تحييد دور الحكومة في الشؤون الاقتصادية وجعلها تهتم بأمور مثل إصدار القوانين والسهر على تطبيقها. في المقابل، المطلوب منح مؤسسات القطاع الخاص الدور الرئيس في الاقتصاديات المحلية. ومرد ذلك اهتمام الشركات الخاصة بتحقيق الربحية، ما يعني ضرورة منح الزبائن قيمة مقابل أموالهم، الأمر الذي يخدم الدورة الاقتصادية في نهاية المطاف.

بدورنا نتفق مع أهمية تحييد دور القطاع العام في الاقتصاد لأنه غالبا يكون على حساب القطاع الخاص. من جملة الأمور، بمقدور الحكومة الحصول على مزايا مثل تأخير عملية دفع الفاتورة وربما الإصرار على الحصول على خصومات لأسباب مختلفة منها قوتها الشرائية. كما تستطيع الجهات الرسمية الانتقام من المؤسسات التي لا تمنحها المزايا عن طريق حرمانها من الحصول على أعمال تجارية مستقبلا. كما من شأن التدخل الحكومي الحصول على تسهيلات مصرفية، الأمر الذي قد يدفع بمعدلات الفائدة إلى الأعلى ولو بشكل نسبي.

 

أفضل النتائج

يعتمد التقرير على عشرة متغيرات تنصب في مجال الحرية الاقتصادية وهي 1) تأسيس الأعمال. 2) التجارة الدولية. 3) السياسة النقدية مثل مستوى الضرائب والاقتراض الحكومي. 4) السياسة المالية مثل السيولة ومعدلات الفائدة. 5) التدخل الحكومي في الاقتصاد. 6) الاستثمارات الأجنبية. 7) النظام المصرفي والتمويل. 8) حقوق الملكية. 9) الفساد المالي والإداري. 10) وتوظيف وتسريح العمال.

في التفاصيل، حققت اقتصاديات منطقة جنوب شرق آسيا أفضل النتائج على مستوى العالم فيما يخص مفهوم الحرية الاقتصادية. فقد حافظت هونج كونج على موقعها كأفضل كيان لممارسة النشاط الاقتصادي، حيث يعد اقتصادها حرا بنحو 90 في المائة. كما استمرت سنغافورة في المحافظة على المركز الثاني دوليا، إذ يعد اقتصادها حرا بنحو 86 في المائة. إضافة إلى ذلك، تضم قائمة العشرة الأوائل كل من: أستراليا، إيرلندا، نيوزيلندا، سويسرا، كندا، الولايات المتحدة، الدنمارك، وتشيلي على التوالي. حسب التقرير، الرابط المشترك بين هذه الاقتصاديات هو تبني نظام السوق، ما يعني تشجيع المنافسة وبالتالي تنشيط الدورة الاقتصادية. الغريب في الأمر هو اعتبار دولة مثل الدنمارك، حيث يلعب القطاع العام دورا محوريا في إدارة دفة الشؤون الاقتصادية من بين الدول الأكثر حرا اقتصاديا. كما يصعب القول بأن سويسرا حرة اقتصاديا لدرجة كبيرة وذلك بالنظر لكثرة القوانين الرسمية في العمل التجاري.

 

الاعتماد على مصادر ثانوية

استنادا للتقرير، فقد حافظت البحرين على سجلها كأفضل بلد خليجي وعربي على مؤشر الحرية الاقتصادية، حيث حلت في المرتبة رقم 13 على مستوى العالم، ما يعني تحسن ترتيبها ثلاث مراتب للمرة الثانية على التوالي. يعد الاقتصاد البحريني حرا بنحو 76 في المائة. وقد حصلت البحرين على أفضل نتيجة في معيار السياسة المالية لسبب جوهري وهو عدم فرض ضرائب على الشركات والأفراد على حد سواء.

وليس من المستعبد أن تتأخر البحرين في هذا المتغير في حال قررت الجهات الرسمية فرض ضرائب على أرباح الشركات الأجنبية الكبرى بحجة تنويع مصادر الدخل. ويواجه هذا المقترح رفضا من قبل بعض المشرعين الذين بدورهم يخشون خسارة البحرين ميزة تنافسية. كما يرفض بعض أعضاء المجلس التشريعي فكرة التمييز بين المؤسسات الأجنبية والمحلية في ضوء مبادئ منظمة التجارة العالمية.

كما أسلفنا، فإننا نرى إجحافا فيما يخص ترتيب باقي دول مجلس التعاون الخليجي في تقرير الحرية الاقتصادية. وتكمن المشكلة في اعتماد التقرير على مصادر ثانوية مثل تقرير مدركات الفساد الصادر من قبل منظمة الشفافية الدولية. بمعنى آخر، يعاني التقرير بعدم تبنيه منهجية واضحة بسبب اعتماده على تقارير مختلفة ومتباينة بدل القيام بدراسة ميدانية، ما يعني وجود معضلة فيما يخص انسجام المعلومات. إضافة إلى ذلك، هناك مشكلة أخرى تتمثل في تبني مؤسسة هيريتاج فاونديشن أفكار اليمين الأمريكي، فيما يخص وجهة النظر لدول العالم. يلاحظ على سبيل المثال، استمرار بقاء كوريا الشمالية في قاع المؤشر ومنحها نقطة واحدة لا غير. كما حلت زيمبابوي وليبيا وإيران وكوبا وفنزويلا في المراتب الأخيرة بسبب عدم رضا اليمين الأمريكي عن توجهاتها السياسية.

في المحصلة، نتفق مع التقرير بالنسبة لتعزيز دور القطاع الخاص في المسائل الاقتصادية وبالتالي تقليص دور القطاع العام لغرض الاستخدام الأمثل للثروات المحدودة. مؤكدا ليس المطلوب من مؤسسات الدولة الانخراط في العمل التجاري.