د. عبدالحميد إسماعيل الأنصاري | الرؤية – عمان

ذكرت في المقالين السابقين، أن عقلنة السنة تقضي بإخضاع الأحاديث للفحص العقلاني الدقيق، بغض النظر عن صحة إسنادها، مخرجة في الصحاح، فالعبرة بالقول، ومدى منطقيته وسلامته من التناقض والشذوذ والعلل، وفق معايير نقد المتن، التي وضعها علماء الحديث القدامى، أنفسهم، بألا يناقض النص قرآناً أو عقلا أو علماً أو تاريخاً أو واقعاً أو قيمة أخلاقية، لكنهم لم يفعلوها تفعيلاً تطبيقياً حازماً وواسعاً، لعلهم هابوا رد المتن إذا كان في كتب الصحاح، وبخاصة الصحيحين، إجلالاً لصاحبيهما، وربما خشوا فتح الباب للتشكيك في السنة، فآثروا جانب السلامة والتحوط، بالتوفيق بين النصوص التي بها شبهة المخالفة للقرآن أو للعقل أو للعلم، وذلك بضرب من التأويلات والتبريرات والمسوغات والتمحلات، أكثرها في نظري، غير مقنعة، ولا تغني عن الحق شيئاً.
وإذا كان للسابقين مسوغاتهم، فنحن اليوم في عصر العلم والبحث والتحقيق، لن نقنع بحديث يجافي المنطق والعدل وحقوق الإنسان، وهذا يوجب علينا نقد متون المرويات في ضوء ثوابت القرآن والعلم والعقل.
فمن غير المقبول، الأخذ بمرويات تمس الأنبياء والرسل، في أخلاقياتهم وسلوكياتهم، عليهم السلام، مثل: أن موسى عليه السلام، لطم ملك الموت، جاء يستوفي أجله، ففقأ عينه..هذا مناقض للقرآن، ومسلك لا يليق بالأنبياء، والملائكة ليسوا بشراً تلحقهم العاهات! ولا نسلم بحديث هروب الحجر بثياب موسى، حتى يُرى عرياناً! رغم وروده في الصحيحين، ولا حديث لوم موسى لآدم لأنه أخرجنا من الجنة! ولا نصدق أن إبراهيم عليه السلام كذب ثلاث كذبات، وأن سليمان طاف على مائة امرأة في ليلة! وأن رسولنا أمر بقتل الوزع لأنه نفخ في نار إبراهيم!
ولا تلزمنا الأحاديث المخالفة للمعطيات العلمية والثوابت الكونية، مثل: أن الشمس تغرب تحت عرش الرحمن!، وآدم كان طوله ستين ذراعاً (12 طابقاً) والحبة السوداء تشفي من كل داء، والذباب يحمل في أحد جناحيه داء والآخر دواء، وسبع تمرات من المدينة تقي من السم والسحر، والنيل والفرات من الجنة، وسبب إنتان اللحم، بنو إسرائيل، عقوبة لادخارهم طائر السلوى! وسبب قيظ الصيف تنفس جهنم! وأن الفأر أمة من بني إسرائيل فقدت! وأن الشمس أبطأت في الغروب ليتمم النبي يوشع الغزو! ولا يمكن قبول حديث رجم القردة الزانية إلا إذا فقدنا عقولنا!.. ولا يجوز أن تكون (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) آية للرجم كانت تتلى، فسقطت تلاوتها وبقي حكمها، هذا من الركيك الذي يتنزه كتاب الله تعالى عنه، فلا رجم في القرآن.
وكيف تستقيم الدعوة لقبول الآخر، وحديث (لا يموت مسلم إلا أدخل الله يهودياً أو نصرانياً، النار) ؟!
كما لا نستطيع قبول المرويات التي تصور المرأة شيطاناً، همه إغواء الرجل، وأن أمنا حواء أغرت أبانا آدم بالمعصية، وبسببها صارت الخيانة طبيعة في بناتها وأنه (لولا حواء لم تخن أنثى زوجها) هذا من سقيم القول، آدم عصى ربه باختياره، وهل الخيانة تورث؟! ونسبوا إلى رسولنا: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء! هل تلام المرأة إذا كان الرجل ضعيفاً ؟!. وأنه قال: النساء أكثر أهل النار؟! لأنهن يكفرن العشير ! ولكن هل هذا يستوجب النار؟! إذن لماذا كانت الجنة تحت قدميها، ولها حقوق ثلاثة ؟!.
وقالوا: المرأة تقطع الصلاة كالحمار والكلب! ولمسها ينقض الوضوء، والملائكة تلعنها إذا هجرت فراش الزوج! حتى الصوم يكون بإذنه! ولو استحق أحد أن تسجد له، فهو زوجها، لعظم فضله عليها!.. خطورة هذه المرويات المهينة للمرأة، أنه لا أمل في نهوض مجتمعاتنا إذا كانت نظرتنا للنصف الأساسي في عملية التنمية دونية، وكيف يمكن تغيير هذه النظرة إذا بقينا أسرى هذه المرويات ندرسها لناشئتنا، ونرددها على منابرنا الدينية والإعلامية؟.
ختاماً: لنفعل معايير نقد متن الحديث، ونحرر العقل من النقل، ونعتمد القول ومعقوليته، لا القائل ومكانته.
بقلم: د.عبدالحميد الأنصاري


رابط المقالة https://alroya.om/post/240145/%D8%B9%D9%82%D9%84%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D8%A3%D9%88%D9%84%D8%A7-(3)