الاثنين, 08 مارس 2010 | د احمد عبدالملك
إلتأمَ في مملكة البحرين أخيرا الاجتماع السنوي ”الثلاثون” لمنتدى التنمية تحت عنوان ”المجالس التشريعية في دول مجلس التعاون”. وقد شارك في الاجتماع مفكرون ومهنيون خليجيون تداولوا هموم التشريعات المتعلقة بإنشاء وعمل المجالس النيابية والتجارب الديمقراطية في المنطقة.
ولقد طُرحت عدة أوراق عمل رصينة تناولت موضوع الاجتماع. وفي الوقت الذي ظهرت فيه تباينات بشأن التطبيق النموذجي للتشريعات الخاصة بالمجالس النيابية، من خلال استعراض تجارب محددة في دول الخليج مثل الكويت والبحرين والإمارات، فإن البعض اعتبر وجود حالات شاذة في بعض التجارب الخليجية، كما أعتبر البعض الآخر أن المنطقة لها خصوصية واضحة من خلال نوعية الأنظمة وطرق تعاملها مع الثروة. واعتبر الدكتور غانم النجار مدير المشروع لهذا العام أن السجال السياسي في مجلس الأمة الكويتي قد أخذ أشكالاً متعددة، ولكنه برز في إطار ”مشادات كلامية ”مُنكّهة” بلهجة فكاهية، ظاهرها التهريج وباطنها التجريح، وصولاً إلى استجوابات متتالية لم تستثن رئيس الوزراء شخصياً ”. كما اعتبر أن النفط ”يعكس موازين القوى السياسية ويطلق شهية المناقصات الدسمة”. في حين اعتبر عضو المجلس الوطني الاتحادي في دولة الإمارات العربية المتحدة الدكتور عبدالرحيم شاهين الذي رصد التجربة الاتحادية في دولة الإمارات أن المجلس جاء متوافقاً مع البناء الاجتماعي لدولة الإمارات، ورأى أن مناقشات المجلس جاءت داعمة للحركة الاقتصادية حسب الظروف وحاجات كل مرحلة.
ولا يتسع المجال لاستعراض كل الأوراق القيمة التي نوقشت في الاجتماع، ولكن نظرة عجلى على مداولات الحضور تكشف لنا الحاجة الملحة للتعديل والتبديل في بعض التشريعات الخاصة بعمل المجالس النيابية. فمثلاً لوحظ أن المجالس المعينة لا سلطة لها على القرار التنفيذي تركيزها على القضايا الاقتصادية والتنموية دون الغوص في القضايا الاستراتيجية أو تلك المختصة بالثروة وطرق إنفاقها. كما أن جل هذه المجالس ”شورية” ولا حق لها في مناقشة الحكومة في قراراتها، وللحكومة الحق في عدم الأخذ بمقترحات وآراء هذه المجالس. ورأى بعض المتداخلين أن المجالس النيابية حتى المنتخبة تستضعفها الحكومات، وينتج عن ذلك شكل باهت للحركة الديمقراطية، يتمثل في تعزيز الحكم القائم، وعرقلة الديمقراطية، واتهام شعوب الخليج بأنها مازالت غير ناضجة للأخذ بالأشكال الديمقراطية وبالتالي تطرح الحكومات نموذج ”التدرج” نحو الديمقراطية. ما أن قوة السلطة التنفيذية تكون أقوى من السلطة التشريعية، وهذا مخالف لما يجري في بقاع أخرى من العالم. كما انتقد متداخلون قيام الحكومة بصياغة مشاريع القوانين، وبرأيهم، هذا يشكل انتقاصا من السلطة التشريعية. كما اشتكى بعض المتداخلين من عدم توفر المعلومات الخاصة بالفوائض في الميزانيات، بل إن تلك المعلومات تُحجب عن بعض المجالس النيابية. طرق أحد المتداخلين إلى مسألة تشريعية مهمة في الطريق الديمقراطي وهي قيام الحكومة بتحديد الناخبين، ويرى أن ذلك امتهانا للشعب. كما لاحظ أن الشفافية مفقودة في التجارب الديمقراطية في الخليج. ورأى البعض أن الثقافات السائدة في المجتمع الخليجي تقوم على ثلاثة أشكال من الثقافات وهي: ثقافة المنحة، وثقافة الحق، وثقافة التشدد. ويرون أن ثقافة الحق يجب أن تسود وأن تتراجع ثقافة التشدد. ورأى آخرون أن هنالك افتقاداً للتوازن بين الدولة والمجتمع، وأن الدولة قوية والمجتمع ضعيف وأن الدولة هي التي أضعفت المجلس بسنها قوانين لصالحها. وأن هنالك حاجة لإنصاف المجتمع الخليجي وذلك عبر: إيجاد التوازن بين المجتمع والدولة، وتوزيع عادل للثروة. والدفاع من أجل قوانين حقيقية والاتفاق على الخطوط الحمراء؛ لأن الموتورين موجودون في كل التيارات، ويجب عزلهم عن التوافق المجتمعي. رأى بعض المفكرين أن بعض النواب في مجلس الأمة الكويتي قد تحولوا إلى ”مُعقبين” وملاحقين لمعاملات جماعاتهم في الدوائر الحكومية!. أي أنهم يضيعون وقت المجلس المخصص للتفكير في قضايا الصالح العام. كما تعاني بعض المجالس من قضية التأجيل للمشروعات والغيابات المتكررة داخل اللجان. وأن الحاجة ماسة لوعي مجتمعي، كي يخرج العمل النيابي من ”ربقة” خدمة العائلة أو القبيلة أو الطائفة؛ وتوجه الخدمات نحو جميع شرائح المجتمع.
لك هي بعض الأفكار التي طرحت في لقاء المنتدى، ولكن ما نلاحظه على اجتماعات المنتدى الذي دخل عامه الثلاثين هو الهوة بينه وبين المجتمع من جهة، وبينه وبين أصحاب القرار وواضعي السياسات، رغم جدية جهود أعضاء المنتدى في تداول القضايا المهمة ولمصلحة شعوب المنطقة. ونحن نرى ضرورة أن تخرج آراء المفكرين والباحثين الخليجيين من داخل جدران قاعة الاجتماع لتصل إلى الناس وإلى الحكومات بل إن هنالك من النخب الخليجية ممن لم يسمع بالمنتدى، ولعل قيام المنتدى بوضع موقع له على الإنترنت بادرة طيبة لإيصال مشاريع وأفكار أعضاء المنتدى للعامة www.df.ae”. ما أن الإصدار السنوي للقاءات وأوراق العمل تصل إلى صناع القرار وراسمي السياسات كما صرحت بذلك الزميلة الدكتورة منيرة فخرو المنسقة العامة للمنتدى، لكننا نعتقد أن الأمر بحاجة إلى مأسسة كي يتم التفاعل بين المنتدى وأصحاب القرار، بل إن المنتدى مازال يبحث عن اعتراف من أية دولة ? غم حسن سيرته طوال ثلاثين عاماً وأن يكون له بيت في إحدى دول المجلس ولو من بيوت ذوي الدخل المحدود. كما أن ابتعاد المنتدى عن الإعلام والعكس، أوجد حالة من الانفصال بين المنتدى والمجتمع العام. وهذا ما يغيّب جهود الأعضاء وواضعي أوراق العمل والبحوث العلمية، ولعله من المفيد بعد انتهاء الدورة الثلاثين الخاصة بالمجالس التشريعية، أن تستضيف مجالس الأمة والشورى نخبة من أعضاء المنتدى كي تشرح وتوضح ما دار في عقول أبناء الخليج، ويستمع الأبناء ما يدور في عقول النواب.