حامد حمود العجلان | القبس

كان لبنان مشغولاً يوم الجمعة الموافق 8 أبريل بردود الأفعال على الحكم الذي صدر على الوزير السابق ميشال سماحة. فقد أدى الحريري صلاة الجمعة بعد صدور الحكم مباشرة بمسجد الأمين في وسط بيروت، وسط حراسة مشددة سببت شللاً في حركة السير لساعات، مرحباً بالحكم، ومعتبرا إياه تصحيحاً للعدالة. أما الصحافة اللبنانية فقد أظهرت في اليوم التالي اختلافا واضحا في ردود أفعالها. فقد رحبت «النهار» معلنة في صفحتها الأولى «13 سنة لسماحة: العدالة تصحح نفسها». أما «السفير» فلم تشر إلى حكم المحكمة في صفحتها الأولى؛ لكن في صفحاتها الداخلية نشرت مقالين يفندان الأسس القانونية التي استند إليها الحكم. لكن هذا الانشغال بالحكم على سماحة سريع الزوال، فلبنان منشغل أكثر بعواقب الانقطاع الرسمي بينه وبين السعودية ودول الخليج. فإضافة إلى غياب السياح الخليجيين، هناك قلق أكبر من تتدهور العلاقة أكثر. هذا مع أن الخليجيين ومع عودتهم بعد اتفاق الطائف عام 1989 باستثماراتهم، فإن لبنان لم يعد خيارهم للاصطفاف، كما كان قبل اندلاع الحرب الأهلية عام 1975، وذلك لأسباب عدة، أهمها يتعلق بتغيّرات اقتصادية في دول الخليج نفسها.
فقد صدف أن شهدت فترة الحرب اللبنانية (1975 ــــ 1990) طفرة اقتصادية في دول الخليج بسبب تضاعف أسعار البترول. فالكويتي أو السعودي اللذان كان أقصى ما في مقدورهما أن يسافرا إلى سوريا ولبنان، أصبحت لندن وباريس واسطنبول بمتناولهما ماديا. فنشأ جيل جديد لا يعرف لبنان، وليست له فيه ذكريات تشده إليه. كما أنه اعتاد على مستوى خدمات وفرص للتسلية لا توفرها بيروت والمدن اللبنانية الأخرى. لبنان مميز بخدمة فنادقه وجودة مطاعمه، لكنه يفتقد المتنزهات وأماكن التسلية المجانية المفتوحة للجميع. بل إن لبنان يفتقد الأرصفة المخصصة للمشاة. ربما كان الكويتيون الأكثر تعلقا بلبنان، كثير منهم عاد واستثمر في البناء في بحمدون وحمانا وباقي مدن المتن الجنوبي. حتى ان الصندوق الكويتي للتنمية، تبرّع ببناء طرق في هذه المناطق، لكن مستوى الخدمات ظل متخلِّفا كباقي لبنان. فما بالك أن يقوم الكويتي بشراء المياه لبيته في الصيف بصهاريج مياه وبأسعار خيالية؟! أما انقطاع الكهرباء وتشغيل المولدات فقد أصبحا واقعا يتطلب ولاءً وطنيا، لا يحمله إلا القلة القليلة من السياح. هذا، وقد بدأ هذا الجيل من السياح الموالين أن ينقرض. فالسياحة راحة وتسلية، وليست كفاحا وطنيا!
لكن على الرغم من التوتّرات السياسية بدت لي بيروت مدينة مملوءة بالحياة والحيوية. وأصبحت تستقطب سياحا جددا. العراقيون عادوا بعد غياب طويل، لكنهم عادوا محملين بجراحاتهم وآلامهم. فأكثر من مصدر أخبرني أن أغلبهم يأتي للعلاج، وأغلب نسائهم متّشحات بالسواد. والسوريون كذلك موجودون في بيروت لا أقصد الأكثر من مليون لاجئ، وإنما أقصد السوريين الذين يسكنون الفنادق في بيروت. لكن أهم سياح يترددون على لبنان هذه الأيام، هم اللبنانيون أنفسهم. هؤلاء القادمون من جدة والرياض والكويت ودبي لزيارة أهلهم، هم المحركون لاقتصاد بلدهم ليس بزياراتهم، وإنما بتحويلاتهم كذلك.
التجوال في بيروت معاناة، إن كان بالسيارة أو مشيا على الأقدام، وتنقلات السياسيين، تزيد المعاناة على الناس العاديين؛ لذا اخترت أن أتنقل ماشيا يوم تلك الجمعة التي صدر فيها الحكم على سماحة. وهذا يحتاج مهارة للتعرف على المعابر والالتفاف حول السيارات الواقفة على أرصفة المشاة. وبعد جهد وحذاقة، وإذا بي في «أسواق بيروت» التي أصبحت فسحة وسوقا لبعض اللبنانيين الميسورين. وأمام هذه المتاجر والمحال لأغلى الماركات العالمية، أتذكر تساؤلات ابنتي التي كانت تدرس في بيروت: «بابا.. هذا البلد غريب وممتلئ بالتناقضات، فيه من المحال والماركات العالمية ما لم تجده في ميامي، وكثير من المدن العالمية، لكن الكهرباء فيه منقطعة معظم الوقت!».

رابط المقالة http://alqabas.com/14210/#.Vw25tMVftI2.whatsapp