بدأتُ السياساتُ التنمويَّةُ منذ السبعينياتِ بالتركيزِ على مبدأ العنصرِ البشري، وبدأ مفهومُ التَّنمية البشريَّة يتبلورُ شيئًا فشيئًا، وبعد التركيز على الإنسانِ كمورد اقتصادي يُنتظر منه المزيد من الإنتاج والتطوير، أصبحت التنميةُ متصلةً بكل التفاعلات الاقتصاديَّة، والاجتماعيَّة والبيئية والديموغرافيَّة معتبرةً الإنسانَ وسيلتَها وهدفها وغايتها في نفس الوقت، واعتبرت احترامَ الحريات والحقوق الإنسانيَّة لكل فردٍ مطلبًا أساسيًا لاستقامة مسيرةِ التَّنمية وتوسيع دائرة الاختيارات المُتاحة، ومِن هذا المنطلقِ جاءَ مفهومُ تمكين المرأة مطلبًا مهمًا في سبيل تحقيق المساواة المجتمعيَّة، من خلال حضورِها المُحتشم في مُختلف المجالات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة والسياسيَّة، والتي من خلالِها ستتمتعُ بفرصٍ ومواردَ تزودها بمجموعة من الخيارات التي يمكن أن تتبعها، كما يمنحها القدرةَ على التأثير الجيِّد على الواقعِ المُجتمعي من خلال إيجادِ فرصٍ وخدماتٍ متنوِّعة، والتي من خلالها ستحدث نقلة نوعية في واقعِ التغييرِ الاجتماعيِّ لإقامة نظم اجتماعيَّة واقتصاديَّة أكثر عدلًا، على الصعيدَين الوطني والدولي، ويتمُّ إضفاء الطابع المؤسَّسي على توقُّعات دور الجنسَين من خلال النظم التشريعيَّة والتعليميَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة والبيئيَّة.

تحتاجُ النساء إلى «التمكين» من أجلِ تضييقِ الفجوةِ في النوعِ الاجتماعيِّ تمهيدًا لتعزيزِ المُساواةِ وتنوُّع نطاق الخبرات، وتنويع الموارد البشريَّة في مجالات العمل والحياة، لأنَّها تعتبر قضيةً اجتماعيةً تعكس لنا مدى مقدرة الدول على الاكتفاءِ الذاتي والتصدي للعجزِ القائمِ في مجالاتِ عدة من أجل الحدِّ من الفقر وتطوير مُستوى التعليم والرعاية الصحيَّة، كونها تشكل أهدافًا إنمائية تتطلب من القيادات النظرَ في حلِّها بصورةٍ جِذرية من أجل استدامة التنمية، لأنَّ المفهوم الحقيقي للتنمية المستدامة معبرٌ عن حلولٍ واقعيَّة تلبِّي احتياجاتِ الحاضرِ دون المساسِ بقدرةِ الأجيالِ المُقبلة، كما لا يمكنُ الحصولُ على الإنصافِ بين الأجيال، أو الوفاء بمسؤوليَّة نقل المجتمعِ إلى عالمٍ أكثر إنصافًا إلى الأجيال المُقبلة، إذا ما استمرَّ المجتمعُ في تطبيقِ الانحيازِ عن خط المُساواة، لذلك تمثِّلُ أهدافُ التنمية المستدامة والمعروفة باسم الأهداف العالميَّة، دعوةً عالميةً للعمل على إنهاءِ الفقرِ وحمايةِ الكوكبِ وضمان تمتُّعِ جميعِ الناس بالسلامِ والازدهارِ، كما تستند الأهداف السبعة عشر للتنمية المُستدامة إلى تطويرِ مُستوى النجاحاتِ التي حققتْها الأهدافُ الإنمائية للألفية، مع تضمينِ مجالاتٍ جديدةٍ مثل تغيُّر المُناخ، وعدم المُساواة الاقتصادية، والابتكار، والاستهلاك المُستدام، والسلام والعدالة، ضمن أولوياتِ أخرى، وهذه الأهدافُ جميعُها تعملُ بشكل مُترابطٍ وواقعي لاتخاذِ الخيارات الصحيحة لتحسين مُستوى العيش بطريقةٍ مستدامةٍ للأجيال القادمة، كما أنَّها توفر مبادئ توجيهية وأهدافًا واضحة لجميع البلدان لاعتمادها وَفقًا لأولوياتها والتحديات البيئية التي تواجهها.

وفي الختام نجد أنفسنا جميعًا نرغب في أن نعيشَ في ظّلِ اقتصادٍ مزدهر يحقِّق مصالحَ البشر والكوكب، في ظلِّ ظروف تتّسم بالاستقرارِ، والاقتصادياتِ الصحيَّة، وتحفظ لنا حقوقَ العمال، والمُستهلكين المتعلِّمين، والمُنتجين، من خلال توفير تدابيرَ تدعمُ الحقوقَ المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومن هنا سنجد أنَّ هذه الاهتمامات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والثقافية والبيئية تحتاج منَّا إلى معالجةٍ حقيقيةٍ وبطريقةٍ متكاملةٍ وشاملة للعمل بجدٍ وليس من منظور التركيز على نوعٍ اجتماعي واحد دون الآخر، وإن من المهمِّ بشكل خاص النظر إلى العمليَّات المباشرة والتكاليف الناتجة والتحوُّلات المحتملة في النظم القانونيَّة والتنظيمية للانتقال إلى الاقتصاد الأخضر، لتحقيق النمو الشامل واستحداث فرص العمل والقضاء على الفقر، وإلا سيؤدِّي ذلك بالمجتمع إلى الانحراف نحو مفهوم جديد «التطور المصطنع» المولد الحقيقي للمزيد من البؤس بين أفراد المُجتمع المدني مهما تطوَّرت الآليات المُستخدمة وتعالت المباني المُشادة.

رابط المقالة على موقع صحيفة  الراية