حامد حمود العجلان | القبس
كنت دائما أعتقد أني على دراية كافية بالظاهر، وبعض المستتر من السياسة اللبنانية. ولا أقصد بالمستتر السري، فهذا أمر مخابراتي لست بقريب منه. لكن هناك الكثير غير متداول في الإعلام المرئي والمكتوب، لأسباب تتعلق بغياب الموضوعية عن هذا الإعلام. خاصة الضعف الذي حل بالإعلام اللبناني، بعد أن انحدرت أهميته النسبية خلال العقدين الأخيرين، وبعد صعود الإعلام الخليجي القريب نسبيا من الإعلام الرسمي لهذه الدول. واعتقادي بمعرفتي النسبية بفوضى واتجاهات السياسة اللبنانية نابع من متابعة وعيش في هذا البلد استمر لسنوات. فخبرتي المباشرة بدأت في اغسطس من عام 1970، وهو وقت كان محملاً بالتوترات والحروب كالعادة. فالحرب الأهلية في الأردن كانت في أسوأ أحوالها، بين المنظمات الفلسطينية والجيش الأردني، الذي أدى إلى «هجرة» هذه المنظمات إلى لبنان، وساهم في خلق الجو المناسب للحرب الأهلية اللبنانية، التي اندلعت بعد حادث باص عين الرمانة في 13 أبريل 1975. أما أغرب تجربة أذكرها عن تلك الفترة، فهي أن اللبنانيين يطلقون الرصاص في الهواء عندما يحزنون وعندما يفرحون. فعندما توفي الرئيس جمال عبدالناصر في سبتمبر 1970، امتزج البكاء والعويل بصوت الرصاص في الأحياء الإسلامية، وعندما انتخب سليمان فرنجية رئيسا ، امتزجت الأغاني والأفراح بصوت الرصاص في المناطق المسيحية. وقي.لَ آنذاك سخرية ان المسلمين استهلكوا رصاصهم بعد نبأ غياب عبدالناصر، والمسيحيين بصعود سليمان فرنجية إلى سلم الرئاسة. وقد انتخب فرنجية بفارق صوت واحد، ومازلت أذكر أن عنوان افتتاحية غسان تويني في «النهار» كانت «ديموقراطية الصوت الواحد».
ومنذ أسابيع تردد اسم سليمان طوني فرنجية ــ الحفيد، مرشحا لرئاسة الجمهورية، الذي كان عمره خمس سنوات، عندما انتخب جده رئيسا للجمهورية، واثنتا عشرة سنة عندما قتل والده بعد هجوم من القوات اللبنانية، اتهم في تدبيره سمير جعجع. والمفاجأة أن الترشيح والدفع بوصول الحفيد إلى الرئاسة جاء من قبل سعد الحريري المتزعم لتيار 14 آذار، بينما ينتمي سليمان ــ الحفيد، إلى تيار 8 آذار، الذي يضم كذلك حزب الله وأمل والتيار الوطني الحر الذي يتزعمه الجنرال عون. لقد أشعرتني مفاجأة هذا الترشيح بان معرفتي ومتابعتي للسياسة اللبنانية ناقصة وربما جامدة. لكن مفاجأتي كذلك لها ما يبررها. فآل فرنجية حلفاء تاريخيون لبيت الأسد في سوريا، وهذا البيت، وإضافة لتحالفه ودعمه لتيار 8 آذار المناوئ لتيار 14 آذار، الذي يتزعمه سعد الحريري، متهم بأنه المحرض على اغتيال رفيق الحريري. وبالمقابل، فإن سمير جعجع، المنتمي مع سعد الحريري لتيار 14 آذار، متهم باغتيال طوني فرنجية والد سليمان الحفيد، الذي رشحه سعد الحريري لرئاسة الجمهورية. لذا فصعوبة فهم دوافع هذا الترشيح ليس بالأمر المستغرب. وكان لا بد من استقصاء الأمر لاستيعابه.
ولعل استيعابه يبدأ بإعادة التفكير بأن السياسة هي فن الممكن، وأنه ليس فيها أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون. وأعجبني تعريف ديفيد بروكس في النيويورك تايمز مؤخرا للسياسة بأنها «نشاط تتعرف من خلاله على وجود آراء ومصالح لجماعات مختلفة، والسياسي الناجح هو من يوازن بين مصالح هذه القوى أو على الأقل على جزء كبير منها». فقد وجد سعد الحريري أن انتخاب رئيس جمهورية أصبح ضرورة لإعادة التوازنات. وأن القيادات المارونية المنضمة لتيار 14 آذار لا يمكن أن تكون مقبولة للوصول للرئاسة لأي من المنضمين لتيار 8 آذار. فكان ترشيحه لسليمان فرنجية اختراقا يضمن انتخابه في حال انعقاد البرلمان اللبناني لانتخاب رئيس. ولكن لماذا فضل الحريري ترشيح سليمان فرنجية على الجنرال عون وكلاهما من تيار 8 آذار المناوئ؟!
رابط المقالة http://www.alqabas.com.kw/Articles.aspx?ArticleID=1144745&date=01072015&isauthor=1