حامد حمود العجلان | القبس

بدا واضحا أن تفضيل فرنجية على الجنرال عون لم يكن محصورا بالحريري وحده، وإنما كان كذلك اختيار الفرنسيين. فهم أدرى بلبنان، والأقرب عاطفيا وتاريخيا لمسيحيي لبنان، كما أنهم على معرفة جيدة بالجنرال عون الذي حموه عندما لجأ إلى سفارتهم في بيروت، بعد أن هرب من القوات السورية ثم استضافوه لسنوات عدة في باريس. وكلا الحريري والفرنسيين يدركون أن مركز رئاسة الجمهورية في لبنان لا يحتمل رئيسا شعبويا مثل عون. فعون عند وصوله الى الرئاسة قد يتخذ قرارات لا تأخذ بمصالح الأطراف الأخرى المشاركة في التركيبة السياسية اللبنانية. وعلى العكس من ذلك سيضطر الحفيد سليمان المحصورة شعبيته في قضاء زغرتا إلى أن يوازن بين مصالح الأطراف السياسية اللبنانية. كما أن الأخير يدرك ضرورة أن يبني تحالفات جديدة خارجة عن دائرة بيت الأسد في سوريا، التي أصبحت معزولة عربيا. وقد حصل ترشيح الحريري على دعم من نبيه بري ـــ رئيس المجلس النيابي وحليف «حزب الله» في «8 آذار» ـــ لكنه، وكما كان متوقعا، قد رفض هذا الترشيح من «حزب الله» بعد تفكير استمر أياما وقدم الحزب الجنرال عون مرشحا بديلا مع علمه باستحالة حصوله على أغلبية برلمانية. بينما كان سيتمكن من الحصول عليها فرنجية في حالة انعقاد البرلمان لانتخاب رئيس.
لقد كشف ترشيح الحريري لحليف حزب الله لرئاسة الجمهورية، ومن ثم رفضه أن هذا الأخير لا يريد انتخاب رئيس، وإنما يريد الهيمنة على الحياة السياسية اللبنانية التي ستكون أسهل من دون رئيس. وما ترشيح حزب الله لحليفه الآخر عون للرئاسة إلا مجرد ذر الرماد في العيون. فالحزب مرتاح لهذا الترشيح لأنه غير ممكن. والحقيقة أنه حتى حزب الله يخشى رئاسة عون وشعبويته. فالأفضل لحزب الله وإيران أن يبقى لبنان من دون رئيس. لأنه مهما كان الرئيس فإنه ولمصلحة لبنان، لا بد أن يتخذ قرارات تقرب لبنان من محيطه العربي. فحزب الله لا يريد رئيسا ينتقد تدخله في سوريا، والذي سمعه من الرئيس السابق ميشيل سليمان، على الرغم من أن الحزب ساهم في دعم ترشيحه وانتخابه. فالحزب يطمح الى هيمنة دائمة، وحتى إلى إعادة صياغة اتفاق الطائف لتقوية المركز السياسي للطائفة الشيعية، مع أن عددها في لبنان يقل عن عدد الطائفة السنية ببضعة آلاف. أما مصالحة جعجع مع عون ودعم الأول للأخير للترشيح للرئاسة، فيرجع إلى أن جعجع حريص على لم شمل القاعدة الشعبية المسيحية، الذي يرى أنه سيكون في المستقبل زعيمها، لا، جبران باسيل، وزير الخارجية وصهر عون غير المؤهل لهذا الدور بعد غياب عون. خاصة أن باسيل تنقصه الخبرة والكاريزما. واشتهر أخيرا بمواقفه السياسية المعلنة باجتماع الرياض الناكرة لتدخل ايران في الشؤون السياسية العربية.
والموقف السعودي الرافض لهيمنة حزب الله أعلن عن نفسه بوضوح وبدعم خليجي، فقد جاء بعد تراكمات. أهمها أن جان قهوجي رئيس أركان الجيش اللبناني، قام بزيارة لسوريا واجتمع بقياداتها السياسية والعسكرية بعد أن أعلنت السعودية تقديم مساعدة مالية بثلاثة مليارات دولار لتزويد الجيش اللبناني بالسلاح الفرنسي. كانت الفكرة أن دعم الجيش اللبناني سيقوي الدولة أمام هيمنة ايران وحزب الله. لكن مواقف باسيل وقهوجي أظهرت بوادر مختلفة. وجاء الموقف السعودي بعد فشل محاولة الحريري وبدعم فرنسي سد الفراغ الرئاسي.
فلا يمكن أن تتحمل السعودية تكلفة تسليح الجيش اللبناني وإعادة بنائه في ظل فراغ رئاسي يعزز من هيمنة حزب الله وإيران على هذا البلد.
وأخيراً، فإن التوتر السياسي هذا بين دول الخليج ولبنان شيء، والعلاقة بين الشعوب أمر آخر. فحتى ما أعلن من مقاطعة السعودية لثلاث شركات لبنانية لا يتعدى أن يكون خطوة رمزية. فهذه الشركات هي أصلا على لائحة الإرهاب الأميركية.

رابط المقالة http://www.alqabas.com.kw/Articles.aspx?ArticleID=1145050&date=01072015&isauthor=1