د محمد الرميحي | جريدة الشرق الاوسط
الفترة التي تفصلنا من الآن حتى توقيع اتفاقية بين الولايات المتحدة وإيران، حول البرنامج النووي الإيراني، آخر هذا الشهر كما هو موعود، أو عدم توقيعها، هي فترة يمكن أن توصف بفترة الريبة، أفضل ما فيها أنها قربت إلى الانتهاء، بعد ترقب طويل وممل من التسويف والتأجيل، وأسوأ ما فيها أن الطرفين؛ الإيراني والأميركي، يجمعان نقاط القوة، كل طرف ضد الآخر بشكل متسارع، من أجل تحقيق أفضل موقع في مرحلة التفاوض الأخيرة في الميل الأخير، لبيع الاتفاق، إن تم، إلى جمهور كل منهما على أنه انتصار. الطرف الأميركي يسعى إلى تهدئة خواطر حلفائه، خصوصا إسرائيل، من أجل تمرير الوقت، حتى لا تفسد الطبخة التي يقوم بتحضيرها مع الطرف الإيراني، وتبدو الاستراتيجية الأميركية قائمة على فكرة أن الاتفاق مع إيران، سوف يحسب أولا كنجاح للإدارة الأميركية وسياسة السلمية التي يتبناها الرئيس، وأيضا يحقق بدء العد العكسي للتغيير في الداخل الإيراني على المدى المتوسط؛ بمعنى أن وقف البرنامج لعشر سنوات مع رفع الضغوط الدولية عن إيران، سوف يُمكن القوى الغربية من الدخول التدريجي للعمق الإيراني، ومساعدة الطبقة الوسطى تدريجيا، خلال تلك السنوات العشر، للتحرك والتخلص من النظام كما هو، تمهيدا لأن تصبح إيران دولة مدنية تعددية؛ أي تحقيق ثورة ملونة أو متدرجة أخرى، كما حدث في بقية أنحاء العالم، ذلك هو الرهان من جانب الإدارة الحالية؛ حيث إن سحب بؤرة الصراع من التداول (البرنامج النووي) يفقد النظام الإيراني جزئيا نقاط الحشد والالتفاف الشعبي، تحت شعار فخر الأمة الإيرانية! من جهة أخرى، ترى طهران أن أفضل مرحلة تاريخية للحصول على تنازل استراتيجي يمكنها من الهيمنة، هي مرحلة حكم الإدارة الأميركية الحالية، فهذه الإدارة لأسباب كثيرة، مستعدة أن تقدم الكثير من (الجزر) للنظام الإيراني، على شكل الاعتراف به وبنفوذه في أماكن متعددة من الشرق الأوسط، خصوصا في الخليج، الذي يملك من الإنتاج اليومي من النفط 19 في المائة من الإنتاج العالمي، و8 في المائة من إجمالي الغاز، فإن ما يقدم من (جزر) للجانب الإيراني يبدو مغريا للغاية. في فترة الريبة يحدث هذا السباق المحموم لتحقيق نقاط التفوق، من خلال تمدد النفوذ الإيراني من العراق وسوريا حتى اليمن، وفي أماكن أخرى من الشرق الأوسط، دون أن يواجه هذا التمدد بمقاومة تذكر من الجانب الأميركي، على أساس أن الأخير لا يريد أن يغضب النظام في طهران، من أجل الوصول إلى ذلك الاتفاق الذي يسعى إليه في الشأن النووي. المعارضون لهذا التصور من حلفاء الولايات المتحدة، خصوصا إسرائيل، يرون أن ذلك التوجه من الإدارة الأميركية لاسترضاء طهران، سيكون خاسرا في نهاية المطاف، لأن إيران سوف تحتفظ بالحُسنيين؛ القُدرة النواوية، ما قبل قليل من تحولها إلى قدرة عسكرية، وتوسيع النفوذ في آن واحد، ويجعلها مهيمنة على منابع الطاقة، أو على قسم كبير منها، عدا دفعها بمجموعات موالية في أكثر من منطقة للوصول إلى الحكم، والتحكم في بعض دول الجوار في الشرق الأوسط. في ظل هذا التصور المتعاكس يذهب نتنياهو إلى الولايات المتحدة ليدعو من فوق أعلى منبر فيها، وهو الكونغرس، إلى التحذير من سياسة الاسترضاء، الأمر الذي يشاركه فيه عدد ليس قليلا من الساسة الأميركان، في كل من الحزبين؛ الجمهوري والديمقراطي، وترتبك الإدارة الحالية أمام هذا الموقف المعقد، فهي من جهة، لا تستطيع علنا أن تعادي الحكومة الإسرائيلية، كما أنها تبدي الامتعاض من نتنياهو وتصرفاته التي تتجاوز الإدارة برمتها لتخاطب جمهورها! ماذا يمكن قراءته من كل هذا المشهد؟ لا شك أن المتابع يمكن أن يصل إلى نتيجة ذات شقين عند تفكيك ما يحدث؛ الأولى أن هناك احتمال الوصول إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران، لأن الطرفين في حاجة بعضهما لبعض في هذه المرحلة، وأن هذا الاتفاق سوف يأتي على حساب مصالح بعض حلفاء الولايات المتحدة. هذا الاتفاق قد يسمح لطهران أن يكون لها نفوذ في الأماكن التي حققت حتى الآن نفوذا واضحا فيها، وهو ما يفسر تسارع التوسع الإيراني في الأشهر الأخيرة، كما يحدث في اليمن وفي العراق، مع إضافة أن تكون شريكا فاعلا في السياسات الإقليمية. ويمكن الترويج، في الداخل الإيراني، على أن ما حدث ما هو إلا انتصار نهائي على «الشيطان الأكبر». والنتيجة الثانية هي المحاولات الحثيثة لتعطيل هذا الاتفاق، والانتظار إلى مرحلة تغيير الإدارة الأميركية الحالية، من أجل تغيير جذري في السياسات الخاصة بالشرق الأوسط، وترحيل الملفات إلى وقت آخر وظروف أخرى. النتيجة بشقيها لا تعدو أن تكون تكاذبا ثلاثيا بالغ التمويه؛ أولا الهدف الإيراني من الملف النووي هو تحقيق النفوذ، لأن هناك استحالة لاستخدام سلاح نووي في المنطقة، في حال الوصول إليه، والنفوذ قد تحقق بوجود أو بعدم وجود القوة النووية، وتكاذب في الحالة الإسرائيلية؛ حيث إن إسرائيل أول من يعلم استحالة استخدام القوة النووية في الحيز الجغرافي الواقعة فيه، أما التكاذب الثالث، فهو حلم أوباما بترويض طهران في عشر سنوات! إنه حلم إبليس في دخول الجنة! في مسرح التكاذب الثلاثي المنطقة لن تُقبل على فترة هدوء، بل استمرار الفوضى، واستمرار حروب محلية قائمة أساسا على النزاع المذهبي، لمحاولة تحقيق إمبراطورية فارسية! فترة الريبة هذه، هي الفترة الحرجة التي تستدعي تحركا عربيا منظما لتقليل المخاطر، وربما تعظيم الفرص! وفضح التكاذب الثلاثي. آخر الكلام: نشاط الرياض السياسي في الفترة الأخيرة، وتحرير الدبلوماسي السعودي، يؤشر إلى تطورات إيجابية على صعيد الدبلوماسية السعودية، التي تنشط لرص الصفوف، في مرحلة يحتاج فيها الخليج إلى دبلوماسية متحركة وذات رؤية لصد الهجوم المنظم.