جاسر الحربش | الحياة – لندن

أستعمل مصطلح «العرب الجدد» وصفياً للتشابه بين بعض المغردين العرب في الشبكة العنكبوتية والمحافظين الصهاينة الجدد في السياسة الأميركية بخصوص كرههم المشترك للعرب. لا أتوقع أحداً من جيل «العرب الجدد» يتذكر أغنية المطرب المصري الشعبي شعبان عبدالرحيم : «أنا بحب عمرو موسى وأنا بكره إسرائيل». شعبان عبدالرحيم عبّر في تلك الأيام الطيبة عن حبه لوزير الخارجية المصري آنذاك مجازاً، أي ليس للشخص وإنما للرمز الذي كانت تمثله السياسة العربية، حب العرب مقابل كره الصهاينة. في تلك الأيام وما قبلها كان التباغض العربي على مستوى الأوطان من المحرّمات، ومن يتجرأ على الخروج عن العاطفة العربية الجامعة يقطع أهله لسانه في البيت، معنوياً بالطبع بالاستنكار والتأديب.


لا أدري كيف ولكن هذا ما حصل وأصبح لدينا في كل الدول العربية جيل أو بعض جيل من العرب الجدد فقد بوصلته العاطفية التاريخية واتجه نحو القبلة الخطأ، نحو حب الصهاينة والفرس والترك، مع النأي بالنفس عن العرب. المتصفح لشاشات التواصل العنكبوتي يصاب بالفزع من كميات التلاسن اللفظي المؤذي عبر الحدود العربية القطرية، فلا يسلم من الأذى والمعايرة والتحقير شعب ولا حكومة ولا مذهب ولا تاريخ. لا أعتقد أن كل ولا حتى أكثر المغردين العدوانيين (من الجنسين) بين هؤلاء العرب الجدد صادقون مقتنعون فيما يغردون به من التباغض، ولكنهم يسممون الأجواء الاجتماعية بين مواطني الدول العربية عبر الحدود، ليجد العربي المقيم في دولة أخرى والزائر والسائح من بلد عربي لآخر نفسه محاصراً بنظرات الاحتقار وأحياناً بعبارات التحقير إما في المطارات أو في التاكسي أو الفندق وأماكن العمل.

المؤكد أن المغردين (وبالأحرى الناعقين) الذين فقدوا القبلة الوطنية الجامعة وقعوا في مصائد خبيثة نصبها لهم آخرون غير عرب يكرهونهم ويكرهون كل ما يمت للعرب بصلة. أصحاب المزاج الفوار من المغردين المتحمسين (باستثناء المأجورين منهم وهم قلة) لا يدركون أنهم يفرغون انفعالاتهم البذيئة في متاهات عنكبوتية مصممة نفسياً واجتماعياً لاجتذابهم، ثم لإطلاقهم كـ «كلاب صيد» يعض بعضها البعض. كذلك من المؤكد وجود مراكز متخصصة في إسرائيل وإيران وتركيا وسورية وضاحية بيروت الجنوبية وغيرها، مراكز حكومية تموّلها دول، مهماتها شن الحروب النفسية المدمرة لتفكيك ما تبقى من الهويات العربية الجامعة، ويديرها علماء متخصصون في علوم النفس والبرمجيات وغسل الأدمغة والاختراق، وتعتمد عليها الدول أكثر مما تعتمد على الجيوش والجنود في وزارات الدفاع.

يرسل المركز في إحدى هذه الدول (ولنقل إسرائيل) مهمة مشفرة لعميل له في فلسطين على سبيل المثال، لتفريغ المحتوى على شكل تغريدة صوتية ومرئية، مشحونة بالتركيب الذكي لتلعن دولة عربية محددة وتشتم شعبها وتتهمه بالعمالة والخيانة والسقوط الأخلاقي. المهمة نفسها تصل إلى عميل في الدولة التي استهدفتها التغريدة الأولى، وما هي إلا دقائق وتشتعل المعارك السفيهة بين المغردين والمغردات في المجتمعين العربيين. ذلك الذي كلف عميليه بالمهمة يتابع مسروراً ما يجري أثناء تناوله الإفطار في مكتبه في تل أبيب.

لا أعرف كيف يجب التعامل مع هذه المهازل ولا من هي مهمته، وربما تكون من صميم مهمات وزارات الإعلام ومن تبقى من المثقفين وأصحاب الرأي الملتزمين بعروبتهم وأوطانهم، أما أنا فما زلت وسأستمر محباً لشعبان عبدالرحيم.

رابط المقالة www.alhayat.com/article/4641207