كثير ما تدورُ في أروقة أمخاخ البشر مواضيع عدة تهتمُ بكيفية تفعيل مصطلح «التنمية البشرية»، إلا أننا نعتقدُ أن الحقبة الزمنيّة التي تلت الحرب العالمية الثانية كانت الفترة الذهبية لنمو مفهوم التنمية البشرية، خاصة في الجوانب الاقتصادية والسياسية، ثم تبعتها بعد ذلك الجوانب الاجتماعيّة وبقية الجوانب الأخرى، ومع ذلك أصبح الأب الروحي لفكرة التنمية البشرية غير معروف بسبب كم التغيّرات التي طرأت على مفهوم التنمية البشرية وجعلتها مُتطورة بشكل كبير جدًا عن مفهومها الأصلي، وهذا مقارنة بالكتب والدراسات التي صدرت في الفترات الأولى والتي تدورُ حول التنمية البشرية، ولكننا نعلم من بعض الأدبيات أن مفهوم التنمية ظهر عندما أطلقه رئيس الولايات المُتحدة (هاري ترومان) عام 1949م، بهدف إدماج الدول النامية بالاقتصاد العالمي بعد أن نالت استقلالها السياسي. وبعد ذلك ظهر مصطلح (التنمية البشرية) في مقدمة الإعلان العالمي عن حق التنمية الذي اعتمد ونُشر في 4 ديسمبر 1986م، إذ عرفت التنمية البشرية على أنها «عملية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية شاملة تستهدفُ التحسين المُستمر لرفاهية السكان بأسرهم والأفراد جميعهم على أساس مشاركتهم، النشطة والحرة والهادفة، في التنمية وفي التوزيع العادل للفوائد الناجمة عنها».
ومن الواضح جدًا أن المفهوم الأساسي لفكرة التنمية البشرية اعتمد على تطوير مفهومها في سبيل تطبيق التنمية الشاملة سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو غيرها من المجالات المعنية بالتطوير المُستمر، والتي ترتكز على أن يكونَ الإنسان هو العنصر الأساسي فيها، وهو العنصر الذي تتمحور حوله التنمية من تطوير وتنمية قدرات وإمكانات الفرد بصفة دائمة ومُستمرة، ما يُساعد الإنسان على ممارسة أنشطته المعتادة، وتوسيع القدرات البشرية، وتوسيع الخيارات المُتاحة له، بالإضافة إلى تعزيز الحريات، وإعمال حقوق الإنسان، وكذلك فإن فكرة التنمية البشرية تتضمنُ الحاجة إلى زيادة الدخل.
وتُعرّفُ الأمم المُتحدة مفهوم التنمية البشرية بأنه: العمليّة التي تُوسّع خيارات الناس، وذلك عن طريق توسعة القدرات البشريّة من خلال الأمور التالية:
1- أن يعيش حياةً مديدةً وصحيّةً.
2- أن تُوفَّر له المعرفة التي يحتاج إليها.
3- أن يتمتّع بمستوى لائقٍ من الحياة.
ولهذا نجد أن مفهوم التنمية البشرية ليس بمفهوم فلسفي أو نظري يمكن التهاون فيه، بل هو علم مُختص بحل القضايا المصيرية وتطوير أنظمة كانت في السابق تتناول المواضيع الحياتية بصورة يتخللها المزاج البشري الذي يعتمدُ على الحس والعاطفة الإنسانية لا أكثر، ويمكن أن نلاحظَ هذا الفارق في الكتب التاريخية وكيفية مناقشة أهل القرار بالأمور المعنية بالشؤون التطورية المؤثرة على نوعية الحياة، والموضحة لأهداف القيادة وآلية تنفيذها، وبناءً على هذا المفهوم تم وضع أهداف للتنمية البشرية، ويمكن أن تختلفَ تلك الأهداف من بلد لآخر حسب قدرة البلد على النمو والتحرر والانطلاق نحو تحقيق تنمية تضمنُ الاستقرار للجميع.
وفي الختام، يمكننا القول إن علم التنمية البشرية يُعدُّ من أفضل المفاهيم التي من خلالها تطوّرت نوعية الحياة ومجالات التقدم، وتوقف معها سيل الحروب العسكرية التي أزهقت أرواح ملايين البشر بشكل عشوائي، وخلقت لنا أنظمة ديمقراطية تهدفُ إلى تطوير الذات وتدريبها على المهارات الحياتية الجديدة في سبيل تحقيق الأهداف الاستراتيجية المعنية بتنمية الثروات القائمة، بالإضافة إلى التي من الممكن إقامتها في السنوات المُقبلة، وهذا لأنها تعطي طاقة إيجابية كبيرة للسعي إلى الأمام وتقديم الأفضل من أجل العيش في ظل حياة كريمة بدولة مُتقدمة تسعى لتقديم أفضل ما لديها لضمان استمرارية وجودها وازدهار نمائها الذي يخدمُ استقرارها الأمني بشكل يعتمدُ على تطبيق مبدأ السلام الشامل.