صراحةً هناك فعاليات غير جديرة بالمتابعة والحضور، مجرد عناوين رنانة، ومحاور يتناولها متحدثون بسطحية وملل في انتظار وقت الغداء، وتوزيع الشهادات، لكن هذه الفعاليات تحظى ببروغاندا إعلامية كبيرة.

بالمقابل هناك فعاليات مهمة جدّاً لناحية المحتوى وجدية الطرح وتمكُّن المتحدثين، والخروج بتوصيات مهمة ترسم معالم المستقبل في مجال من المجالات، لكن الترويج لهذه الفعاليات مع الأسف لا يكون بمستوى أهميتها.

أكتب هذه الكلمات كخواطر بعد حضوري «منتدى التنمية الخليجي» في دورته السابعة والثلاثين التي أقيمت مؤخراً في البحرين، ولقد أعجبت فعلاً بهذا المنتدى وتوجهاته وعمله، وشدَّني مستوى الطرح الرفيع والعميق للمشاركين والمتحدثين فيه، وهم كوكبة من ألمع أسماء الفكر والثقافة في دول الخليج العربي.

منتدى التنمية الخليجي هو تجمع لعدد من المثقفين والمهتمين بالشأن العام من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ويهدف إلى تعميق الوعي والإدراك من أجل تطبيق الأساليب والنظم العملية وتطوير إدارة التنمية بما يسمح للمنطقة من اطراد زيادة الاستخدام الأمثل لمواردها.

ومنذ أن استلمت دعوة المشاركة كمتحدث في الملتقى، وأوراق العمل التي سيتناولها، أدركت مدى أهميته، فبدأت بالتحشيد والترويج له بين أصدقائي ومتابعيَّ على مواقع التواصل الاجتماعي، ومع بدء انعقاد جلساته بدأت بنشر عدد من الصور والمعلومات عن المنتدى.

وبدأت أتلقى العديد من الأسئلة من أصدقائي هنا في البحرين والخليج العربي عن الطريقة التي يمكنهم بها متابعة فعاليات هذا المنتدى الخليجي المهم، وهم يسألون عن وسائل المتابعة الحديثة، من بينها النقل التلفزيوني المباشر عبر «فيسبوك لايف»، وإطلاق هاشتاق خاص بالمنتدى، وغير ذلك.

هذا ما طرحته خلال مداخلتي في إحدى جلسات المنتدى، وقلت إن المنتدى الذي أقيم في البحرين تحت شعار «تقنيات الاتصال والمعلومات والتنمية في دول الخليج»، والذي يهدف إلى «إيجاد مناخ فكري يتسم بتوثيق الصلة والتفاعل بين أبناء دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية حول قضايا التنمية»، يجب أن يعزز من استخدامه لمواقع الإعلام الاجتماعي في تحقيق تلك الأهداف الكبيرة والطموحة.

إن وسائل الاتصال تتطور، وما يجري طرحه في منتديات كهذه من مواضيع قيمة ومهمة جدّاً يجب أن تصل إلى أوسع نطاق ممكن، كيف ذلك؟ عبر الإعلام الاجتماعي، وخاصة أن الإعلام الاجتماعي، «فيسبوك» و «تويتر» و «انستغرام» وغيرها، يوفر الآن فرصاً غير مسبوقة لخدمة التنمية، حيث بات يدخل في جميع المجالات، الفكرية والبحثية والتعليمية وغيرها، وليس فقط الاستخدمات السطحية التي تقوم على مجرد النشر.

وإن استخدام مواقع الإعلام الاجتماعي في التنمية على مستوى الخليج يتطلب إطلاق استراتيجية خليجية موحدة تتضمن خطة تنفيذية تكفل استثمار مواقع الإعلام الاجتماعي في التنمية من مختلف النواحي، وتؤدي في نهاية المطاف إلى تعزيز القواسم الخليجية المشتركة ثقافيّاً واجتماعيّاً وأخلاقيّاً وماديّاً، إضافة إلى تشابه الأداء وأنماط الاهتمامات.

هذه الاستراتيجية ترتكز على جملة من الحقائق، من بينها أن مواقع التواصل الاجتماعي باتت تشكل إحدى أهم قنوات التنمية، وخاصة لشريحة الشباب في الخليج العربي والذين يشكلون نحو 60 في المئة من السكان، وزيادة معدلات استخدام الانترنت والهواتف المحمولة، وخاصة أن الشباب هم الأكثر حضوراً على مواقع الإعلام الاجتماعي، وعلينا تدريبهم على كيفية الاستثمار الأمثل لتلك المواقع في مجالات الدراسة والعمل والتواصل وغيرها، وتزويدهم بالمهارات والمعارف والأدوات اللازمة لذلك.

ويشكل المحتوى الجيد المنشور على مواقع التواصل الاجتماعي أساس التنمية، وعلينا أن نسأل أنفسنا ما هو المحتوى (التنموي) الذي ننشره على مواقع التواصل الاجتماعي؟، وهل نكتفي بمجرد بناء المحتوى ونشره؟ أم نحن بحاجة إلى التفاعل مع المستخدمين؟ ومن يقوم بعملية التفاعل هذه؟، وماذا عن حضور مؤسسات التنمية الخليجية، الرياضية والفكرية والتعليمية، على مواقع التواصل الاجتماعي؟ وهل يواكب هذا الحضور فعلاً مدى شغف المستخدمين بالحصول على المعلومات والمعرفة؟.

إن الإعلام الاجتماعي في الخليج العربي لا يمكن حصره بظاهرة ما بات يسمى «نجوم الإعلام الاجتماعي» من رجال دين ومسئولين وإعلاميين ورياضيين وفنانين وفنانات وغيرهم، وعلى رغم أن هذه الظاهرة جديرة بالرصد والدراسة والتحليل، إلا أن الأهم من ذلك هو تركيز الجهود على إطلاق المزيد من الدراسات الأكاديمية والدورات وورش العمل وغيرها من الفعاليات على مستوى الخليج العربي، ليعرف كل مواطن خليجي، أيّاً كان موقعه، كيف يمكنه استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بالشكل الأمثل الذي يمكنه من تطوير معارفه ومهاراته بطريقة تعزز من مفهوم المواطنة الخليجية، وتدعم مسارات التنمية.

رابط المقالة على موقع الجريدة