ألقى النقاش في المؤتمر الضوء على بيئة الفساد الخصبة التي تهيئها الظروف المتخلفة في كثير من دولنا العربية، حيث ينمو فيها الفساد بنوعيه أو برأسيه «الفساد الأكبر والأصغر» فينمو الأول حيثما تتوثق العلاقة بين السلطة السياسة والمال، وعندما تُنتَزع أسنان الأجهزة الرقابية ويتضاءل دور القانون.. فلا عجب أن شاهدنا قضايا الفساد «ذي الرأس الأكبر» يرتكبها عِلية القوم في بلدي!

فقضية الداخلية وصندوق الجيش وصفقات الطائرات وقضايا التزوير في الجنسية وتجارة الإقامات، وأخيراً غسل أموال الصندوق الماليزي التي عبرت العالم واستقرت في أحضان الكويت.. أمثلة حاضرة لتنامي الفساد في وطننا.

أما الفساد «ذو الرأس الأصغر» فله حظ وحضور وانتشار في ساحتنا، كذلك يغذيه غياب الشفافية في أعمال الحكومة، وتخلف الإدارة الحكومية بأنظمتها وأساليب عملها، فنحن نشهد التعطيل المنظم للمعاملات الآلية في بعض الدوائر، ولكن بقدرة قادر تعود الروح لها فجأة أثناء الجائحة ثم تعود الأعطال عند عودة الدوام، حيث يطمع بعض المخلصين للمعاملات بـ«المقسوم» وحيث تنشط الواسطات والقرابات و«خشمك إذنك»، كما تزيد سرية الحكومة وتقل شفافيتها ولم يشفع لهذه الشفافية القانون الأخير رقم ١٢ لسنة ٢٠٢١ بحق الاطلاع الذي حاصرت لائحته التنفيذية مرونته لنعود إلى المربع الأول.

لم يعد موضوع تمدد غول الفساد مقتصراً على دولة بعينها ولا هو واقع في مجتمع دون آخر، بل امتدت أذرعه الاخطبوطية وشبكاته حتى أصبحت تتحدى القوانين في كثير من الدول، وتعبر الحدود وتتواصل عبر القارات. وكما أصبح الفساد همّاً عالمياً كذلك أصبح موضوع مكافحته شأناً تتعاون حوله المنظمات العالمية والحكومات الجادة، وضمن تلك الجهود عُقد المؤتمر الدولي الافتراضي بعنوان «مكافحة الفساد وتعزيز فعالية الحكومات وشفافيتها»، وذلك بالتعاون بين البنك الدولي والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي في السادس عشر من هذا الشهر.
كل هذا يدور في الساحة المحلية ومثله في الساحة العالمية، ولكن الفرق أن أجهزتنا الرقابية ما زالت تعد التقارير «فقط» وهيئة مكافحة الفساد «تتعامل مع الفساد الصغير» أما الكبير فهي لم تقترب منه بعد ولا أدري هل ستفعل؟

عرض البنك الدولي في تقريره جهوداً ناجحة لدول كثيرة في التصدي للفساد، نأمل أن نرى مثلها في وطني حتى نتصدى للفساد ولمن يغذي رؤوسه الصغيرة والكبيرة، لأننا إن لم نفتك به فحتماً سيفتك بسمعة بلادنا، وسيؤدي- لا سمح الله- إلى عدم استقرار أوضاعنا الاجتماعية والأمنية.. هذا ما أوضحته التجارب العالمية وذلك ما نخشاه.

وهذا ما نخشاه أيضاً!

سقط شهيد الواجب الشرطي عبدالعزيز الرشيدي ضحية انفلات الأمور الأمنية وتفاقم العنف في شوارعنا، ضحية تسقط تلو الأخرى وتُزهق أرواحها الطاهرة نتيجة التهور أو التعاطي أو ارتخاء قبضة الأمن.. وعدم سرعة البت في قضايا القتل حتى يكون مرتكبوها عبرة للآخرين.. نسألكم بالله تداركوا الأمر حتى ننقذ شبابنا ووطننا الذي أصبح يعاني في كثير من مناحي الحياة حتى وصل الأمر إلى القتل في الشوارع..!!

الرحمة للشهيد عبدالعزيز الرشيدي والصبر لأهله وذويه وزملائه.. «إنّا لله وإنّا إليهِ رَاجعُون».

رابط المقالة على موقع صحيفة القبس