د.عبدالحميد الانصاري | جريدة الجريدة
الهوية الوطنية: السمات والخصائص الثقافية والدينية والاجتماعية والسياسية التي تجمع شعبا في وطنه، وتميزه عن غيره، وهي حصيلة تراكم تاريخي استقرت وترسخت في العقل الجمعي والنفسية العامة للمواطنين، عبر تاريخ طويل من العيش المشترك، صاغ ذهنياتهم وشكّل وجدانهم، وحدّد تصوراتهم لأنفسهم ونظرتهم للآخرين، كما وجه سلوكياتهم وتصرفاتهم وعلاقاتهم وأساليب التكيف مع الظروف المعيشية المختلفة.
وبطبيعة الحال ليست الهوية نسقاً مغلقاً غير قابل للانفتاح على الثقافات والتجارب والمتغيرات ومعطيات العصر، تأثيراً وتأثراً، أخذاً وعطاءً، فهي في حالة تطور مستمر، فالهوية الوطنية اليوم غيرها قبل 50 عاماً، لكن الهوية رغم انفتاحها وتطورها، تظل محافظة على سماتها وخصائصها الجوهرية، التي تميز شعباً عن غيره، تحقيقاً للحكمة العليا في اختلاف البشر: شعوباً وقبائل وأجناساً ولغات وأدياناً وألواناً.
مهددات الهوية الوطنية: تواجه الهوية الوطنية، اليوم، مهددات عديدة، داخلية وخارجية، تعمل على إضعافها، من أبرزها:
1- تضاؤل عنصر المواطن الخليجي وتهميشه وإضعاف دوره التنموي، يوماً بعد يوم، وسط طوفان بشري متدفق من بلاد الفائض السكاني، ودول منكوبة باضطرابات سياسية وصراعات أهلية، وأخرى تعاني فقراً ومجاعة، لقد أصبحت نسبة المواطنين إلى مجمل عدد السكان في دول خليجية، %10 وهي نسبة آخذة في التناقص في ظل استجلاب المزيد من العمالة الوافدة لاستكمال مشاريع إنشائية عملاقة وأبراج ومجمعات سكنية ضخمة، هذا الوضع الاستثنائي جعل المواطن الخليجي يحس بحالة الاغتراب في وطنه، والخوف على هويته، وهو ما نبه إليه صاحب “اقتلاع الجذور” د. عمر الشهابي، ومن ناحية أخرى، أصبح المواطن الخليجي يشكو ويتذمر من الزحام الخانق في الشوارع والاكتظاظ الرهيب الذي يشكل عبئاً مدمراً على المرافق والخدمات، والذي انعكس سلباً على “جودة الحياة” في العواصم الخليجية، أصبح المواطن يتطلع متسائلا: لمن تبنى هذه الأبراج الشاهقة؟! وينظر إلى المجمعات السكنية وسط الفرجان بوصفها مستوطنات منعزلة لقلة متنفذة.
2- تعاظم الولاءات الأولية للقبيلة والطائفة، وتمجيد قيمها الريعية، كما شخصها الأستاذ عبدالعزيز الخاطر في “كتب الأنساب… الدولة أم تجاوزها” فيما سماه ظاهرة التضخم المرضي للقبيلة على حساب مؤسسات الدولة.
تشكل هذه الولاءات الضيقة، معول هدم للهوية الوطنية.
3- التشريعات الخليجية التي تمايز بين المواطنين وتصنفهم درجات، وتحرم فئة مستحقة ممن ولدوا وترعرعوا وتعلموا في الدولة من حق الجنسية، كل قوانين الجنسية الخليجية ذكوريّة تمنح الأب نقل جنسيته لأولاده وتحرم الأم المواطنة، “قانون الجنسية” القطري يصنف المواطنين إلى أصليين ومجنسين محرومين من الحقوق السياسية. و”قانون الإسكان” يحرم ذوي الأصول المجنسة من منحة الأرض الممنوحة للأصليين، تمييز غير مبرر، غرد به الأستاذ أحمد الأنصاري فلقي تجاوباً شعبياً واسعاً، قال فيما معناه: في ظل غلاء الأراضي للسكن أخشى أن يصبح فئة من المواطنين من ذوي الأصول المجنسة مستحقين للصدقة.
4- انتشار نزعة عنصرية تتفاخر بالأنساب والأحساب، تحمل نظرة استعلائية تريد فرض هويتها الفرعية على بقية المكونات المجتمعية، بهدف الاستئثار بالمغانم، يشكل ظاهرة خطرة على الهوية الوطنية، وللأسف تجد هذه النزعة التعصبية أذناً صاغية لدى جهات وشخصيات مسؤولة.
ختاماً: لن تتعزز الهوية الوطنية بترديد الشعارات ولا كثرة المؤتمرات والاحتفالات أو التغني بأهازيج المناسبات، إنما في صهر المكونات المجتمعية في مكون وطني أعلى، في إعادة النظر في التشريعات التمييزية، وفي تكافؤ فرص عادلة، يلمسها المواطن على أرض الواقع، في حياد السلطة وعدم انحيازها لهوية مجتمعية وطمس ثقافات الهويات الأخرى.
ما أحرى الخليج بأن يكون نموذجاً راقياً للعالم العربي في تفعيل المواطنة المتساوية، لا ينبغي للدولة الخليجية، بعد أن رزقها الله تعالى أمناً واستقراراً، ورزقا رغداً، بعد نزاعات قبلية ومعاناة معيشية، أن يصطنع تمايزاً بين مواطنيها، لا ينبغي أن تستمر في تجاهل المواثيق الحقوقية الدولية التي صادقت عليها والدساتير التي قامت بإصدارها.
رابط المقالة http://www.aljarida.com/articles/1551025046756607200/