حامد حمود العجلان | القبس
تداول الإعلام الاميركي شأنين يخصان الصومال الأسبوع الماضي؛ الأول كان خبرا عن قصف طائرة درون أميركية تجمعات لحركة الشباب في الصومال وقتل 150من أفرادها. أما الثاني، الذي نشرته نيويورك تايمز بتاريخ 8 مارس الجاري، فكان عن نشوء نزاع عمالي بين العاملين الصوماليين في مصنع للحوم أو مسلخ في مدينة فورت مورغان في ولاية كولورادو ومالك هذا المصنع، نتج عنه أن فقد 150 من العاملين الصوماليين عملهم. وقد نشأ النزاع بسبب إصرار العمال أن يحصلوا على فرصة من العمل لأداء الصلاة جماعة، بينما رأى المالك أنه بسبب النقص في العمالة أحيانا، فإنه لا يستطيع أن يوقف خط الإنتاج لكي يتمكن العاملون من أداء فريضتهم. وجميع هؤلاء العاملين قدموا لأميركا حديثا بعد أن عاشوا حياة قاسية في مخيمات في كينيا، وبعضهم تمكن من الوصول إلى أميركا عبر محطات صعبة شملت ليبيا ومالطا وأوروبا. وقد حصلوا على العمل في هذا المسلخ بأجر يعادل 14 دولارا للساعة، بينما الحد الأدنى للأجور في هذه الولاية يبلغ 8.3 دولارات للساعة. كما ذكرت الصحيفة أن مثل هذا النزاع حدث في مصنع للآلات الزراعية في ولاية أخرى بين المالك والعمال المسلمين.
وما حدث لهؤلاء العمال الصوماليين، يحثنا نحن المسلمين أن نتمعن في متغيرات الحياة وظروف العمل، وأن نفكر جليا بمواءمة مواقيت الصلاة مع ظروف العمل. فمتطلبات الصناعة الحديثة، خاصة العمل ضمن خط إنتاج يعتبر جديدا علينا، وربما لم يفكر فيه في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم. وخط الإنتاج الحديث، أحدث ثورة في زيادة الإنتاج كما أحدث ثورة سلوكية أثرت في مفهوم العمل وقيمه. وفي سلوك الإنسان نحو ربه والمجتمع، لكنها ثورة غريبة علينا. فصدمة العمال الصوماليين قد تحدث للعمال المسلمين في أوروبا وأماكن أخرى، وحتى عالمنا الإسلامي، عندما يكون التنافس قويا يجبر المالك العاملين على تقديم أو جمع الصلوات أو تأخيرها. وكوننا غرباء عن هذا التغير الذي طرأ على نمط الإنتاج فقد يكون مفيدا مراجعة تاريخ هذا التطور.
لقد كان للثورة التي حصلت في إدارة الإنتاج التي قدمها وربرت تايلور ومن ثم طبقها هنري فورد في تصميم مصنع فورد لإنتاج الموديل T كان امتلاك السيارة محصورا على طبقة من المقتدرين، وتحول بعدها إلى وسيلة المواصلات الرئيسية لغالبية الأميركان. وملخص هذه الثورة في إدارة الإنتاج هو تقسيم مهام العامل المعقدة إلى مهام بسيطة ومحدودة، يتمكن فيها العامل من الالتحاق بخط الإنتاج بعد تدريب بسيط وقصير المدة. فبعد أن كان يتطلب من العامل إجادة الحدادة واللحيم والتركيب، أصبح العامل جاهزا للالتحاق بخط إنتاج بإجادة جزء من هذه المهام الثلاث. وكان من نتائج ذلك أنه بعد أن كانت السيارات تنتج بالعشرات في ورشات صغيرة، أصبحت تنتج بالآلاف في مصانع تضم آلاف العاملين. وما ينطبق على التحولات التي حصلت في إنتاج السيارات حصل في إنتاج الملابس والمواد الغذائية والمعدات المختلفة. فهذه الثورة الصناعية في تحويل الورشة إلى مصنع هي التي وفرت المنتجات بأسعار متوافرة لأغلب الناس وفي جميع أنحاء العالم.
لكن ما من تفوق من ناحية إلا له مثالب من ناحية أخرى. ومع أن مميزات تطور خط الإنتاج تفوق مثالبه، فإن موضوعنا يتطلب التطرق لهذه المثالب، التي منها ما واجهه العمال الصوماليون في فورت مورغان. ولعل أهمها هو الملل الذي يصيب العامل من تكراره لعملية بسيطة مئات المرات، من دون إثراء لقدراته العقلية والعاطفية. إضافة إلى ذلك أصبحت كفاءة إنتاجه مراقبة بالساعة أو الدقيقة ما يشكل ضغطا نفسيا عليه. وافتقد حريته باختيار الوقت المناسب حتى لكي يقضي حاجته. فهو حلقة إنتاج يعتمد على حلقة تسبقه وأخرى تتبعه وتعتمد عليه. وللتخفيف من الملل الذي يعانيه العامل يسمح كثير من المصانع له بأن يضع سماعتين في أذنيه لسماع الموسيقى، أو طورت مصانع أخرى خطوط إنتاجها لكي تثري الوظيفة جاعلة إياها أكثر تعقيدا أو أقل بساطة. ولعل من أشهر هذه التجارب كان افتتاح مصنع كالمار لشركة فولفو في السويد، الذي أعطى الحرية لفرق من العمال في جدولة إنتاجهم مقابل زيادة في درجة تعقيد مهامهم.
رابط المقالة http://alqabas.com/4122/#.VujVEG1xyPI.mailto