حامد حمود العجلان | القبس
ما زال عالمانا العربي والإسلامي، إلى حدد كبير، غريبينِ عن الثورة الصناعية الأولى التي حدثت في إنكلترا في نهاية القرن الثامن عشر، ومن ثم الثورة الصناعية الثانية التي بدأت في الولايات المتحدة مع تحول الإنتاج من الورشة التي توظف العشرات إلى المصنع الذي يوظف الآلاف. نحن غرباء ليس عن منتجاتها، وإنما عن إنتاجها والتفاعل معها بما يساهم في تطوير السلوك الديني ومواءمته مع عملية الإنتاج.
وكانت لهذه الثورة الصناعية آثار اجتماعية وسياسية، إضافة إلى نجاحاتها بتوفير السلع بأسعار رخيصة نسبياً. ففي جميع أنحاء العالم، زادت الهجرة من الريف إلى المدينة، حيث أصبح الفلاح جاهزاً للعمل في مصنع بعد تدريب لساعات فقط. وخلقت فرص عمل مكملة لهذا الزحف من الريف إلى المدينة. فهؤلاء العمال الجدد، بحاجة إلى سكن، وخدمات ومواصلات وإلى أماكن لهو ومراكز عبادة، وهذا التجمع السكاني الجديد خلق قيماً وسلوكيات جديدة، وكذلك وسائل لهو جديدة. فتوزعت الكنائس والمعابد لسد الحاجة الروحية والنفسية لهذا الجمع الجديد من العمالة، كما افتتحت المدارس الجديدة والجامعات والنوادي الرياضية، والتي من نتائجها تطور التنافس بين النوادي الرياضية الذي بدأ في إنكلترا والولايات المتحدة في نهاية القرن التاسع عشر.
للإنسان حاجات روحية إضافة إلى الحاجات المادية. لذا، كان إصرار العمال الصوماليين على فترات للصلاة لكي يستمروا في عملهم في هذا المسلخ في فورت مورغان في كولورادو، فنشأتهم الثقافية والدينية تعطي أولوية للعبادة على العمل. وتغيير القناعات الروحية والدينية يحتاج إلى وقت. كما أنه يحتاج إلى اجتهاد من فقهاء ورجال دين، والذين عادة ما يزرعون الشعور بتأنيب الضمير لدى الفرد المسلم.
فعَلِيٌّ، العامل الصومالي في المسلخ، يخبر مراسل الصحيفة أنه سيرجع إلى عمله إذا أعاد المالك الفترات المخصصة للصلاة، فهو يحمل مثالية دينية، ولكنه لا يدرك أن وقف خط الإنتاج لعشر دقائق قد يسبب خسائر أكبر بكثير من قيمة إنتاج عشر دقائق. فإعادة التشغيل وترك المنتج خلال فترات الصلاة يسبب خسائر يراها المالك بشكل أدق. لا بد أن نتعاطف مع عليّ، ولكن كذلك علينا تفهم وجهة نظر المالك.
وأرى أن تكون هناك مصارحة أكثر واجتهاد أعمق من رجال الدين لتنمية الثقافة الدينية لتعزز قيام الفرد المسلم بأداء فروضه في مواقيت تناسب جدولة العمل. وهذه الحالة للعمال في هذا المسلخ في كولورادو يجب أن تدرس لتشكيل قناعات وقيم دينية لا تلوم النفس أو تحدث خدشاً في الضمير عند تقديم مصلحة العمل. والموضوع لا يشمل العاملين على خطوط الإنتاج فقط، وإنما التفكير في تقبل مرونة في توقيت أداء الفرائض.
هناك 28 آية تذكر الصلاة في القرآن، ولكن الوحيدة التي تعطي أولوية لأدائها على العمل هي صلاة الجمعة بقوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ».
ومع تقدير الروحانية والالتزام الديني اللذين يتحلى بهما هؤلاء العمال الصوماليون، فإن خسارتهم لعملهم، لكون المالك لم يسمح لهم بفترات للصلاة، تعتبر إصراراً يضر بمصالحهم ومصالح عوائلهم. فلا بد أن تكون هناك أولوية للعمل والذي يحتاج إلى التأكيد عليه من قبل الفقهاء ورجال الدين.
رابط المقالة http://alqabas.com/4395/#.VunH_tdj0dA.mailto