حامد حمود العجلان | القبس
أكثر من سبعين قُتلوا في التفجير الانتحاري في منتزه في مدينة لاهور في باكستان، يوم الأحد 27 مارس 2016، من بينهم 29 طفلاً. وقد اختار الإرهابيون الوقت والمكان بدقة، لأنه كان يعمه كثير من المسيحيين المحتفلين بعيد الفصح. لذا كانت نسبة القتلى من النساء والأطفال عالية. هذا، ولاحظت أن من بين ثلاث صحف كويتية لم تشر إلا واحدة منها إلى خبر هذا التفجير. هذا مع أن ضحايا التفجير كانوا أكثر من ضعف ضحايا التفجيرات في بلجيكا. لكن إعلامنا والإعلام العالمي لا يعير للمآسي والكوارث والانفجارات التي تحدث في بلدان فقيرة نسبياً الاهتمام الذي يعطيه للدول المتقدمة. وصحافتنا تتفوق على الإعلام العالمي بتجاهلها لما يحدث في دول لا يتردد عليها الكويتيون. فليس عدد الضحايا وحجم المأساة، الذي يحدد الاهتمام للإعلام العالمي، بما فيه الكويتي، وإنما المكان وجنسية الضحايا. إضافة إلى ذلك، فإن العمليات الإرهابية، تكون صادمة أكثر عند حصولها في دول حققت استقراراً سياسياً وتقدماً اقتصادياً على مدى عقود عديدة.
فمدينة بروكسل مثلاً لها أهميتها الخاصة بالنسبة لأوروبا وأميركا. ففيها مقر الاتحاد الأوروبي ومقر حلف الأطلسي. كما أنها مهمة في الذاكرة التاريخية لأوروبا وأميركا. ففيها تم خوض بعض أهم المعارك في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وعلى أرض بلجيكا خاض الأميركان معركة البلج، وهي الأكبر لهم في الحرب الثانية. هذا، ومع بشاعة وفظاعة التفجيرات التي أصابت بروكسل، والتي نفذها عرب مسلمون نشأوا في بيئة أوروبية، إلا أن بعض ردود الأفعال والتصريحات غلبت عليها المبالغة والترهيب، والتعظيم لقدرات الإرهابيين. وكان لهذه التفجيرات فرصة لمرشحين أميركيين للرئاسة، لأن يصبوا غضبهم على المسلمين. فالمرشح تيد كروز يريد دوريات شرطة دائمة في أحياء المسلمين في اميركا، ودونالد ترامب يريد منع المسلمين من دخول أميركا، وسيضغط على السعودية بالامتناع عن شراء نفطها إذا لم ترسل قوات لمحاربة «داعش».
لقد كانت كثافة التغطية الإعلامية لتفجيرات بروكسل، لدرجة أصبحت توحي، وكأن العالم كله على أبواب هزيمة، أو أن «داعش» انتصر على العالم. لذا رأيت أن ما كتبه سيمون جينكنز في الغارديان البريطانية، بتاريخ 2016/3/24، بعنوان «الأخطر ما في اعتداءات بروكسل كان ردود الأفعال»، فانتقد تصريحات هولاند وكاميرون التي ضخمت الحدث، وسخر من أوباما الذي قطع زيارته لكوبا تضامناً مع بلجيكا، ومن دونالد ترامب، الذي أعلن أن بلجيكا وفرنسا تتفككان. والأهم دعوة جينكنز إلى «تفادي الهستيريا، وإلى الحذر لكن من دون الغرق في الخوف العام، كما فعل هولاند وكاميرون. والوقوف بوجه الإرهابيين يجب ألا يشمل تغيير القوانين، والحد من الحريات أو اضطهاد المسلمين».
أعتقد أن العالم يرتكب خطأين بتعظيمه أعمال الإرهاب التي تحصل في أوروبا، والتقليل من شأن الإرهاب في الأماكن الأقل حظاً. فعلاج الإرهاب يجب أن يتم في بلد المنشأ. ولعل باكستان الأكثر عراقة في نشأة الإرهاب، التي استخدمت في نهاية السبعينات قاعدة للأميركان، وبدعم من أموال النفط لزرع فكر إسلامي متطرف لمحاربة النظام اليساري في أفغانستان.
لا نعرف كيف يتحول الإنسان إلى إرهابي ليفجّر نفسه في ملعب الأطفال ومنتزه لهم في لاهور. لكن العالم يعرف ويقدّر عذابات الأمهات اللاتي فقدن أطفالهن. لقد تحول الإرهاب إلى خطر عالمي، لكن أخطاره على منطقتنا أعظم. وما من عزاء لأهل لاهور أفضل من مساهمة عالمية في تحديث التعليم وتنقية المناهج من التعليم الديني في باكستان الذي زرع التطرف في كل من باكستان وأفغانستان.
رابط المقالة ow.ly/103csX