عقد منتدى التنمية الخليجي لقائه التخصصي الخامس في الكويت يوم الخميس 8 أكتوبر 2009 حول «السياسات والآليات المؤدية إلى تفاقم الخلل السكاني في دول مجلس التعاون»، قدم فيه أستاذ الجغرافيا السكانية في جامعة الملك سعود الدكتور رشود الخريف دراسة حول «ملامح الخلل في التركيبة السكانية في دول مجلس التعاون الخليجي: دراسة الأسباب والنتائج»، كما قدم أستاذ علم الاجتماع في جامعة البحرين د.باقر النجار دراسة حول: «تداعيات الأزمة المالية العالمية على أسواق العمل في الخليج العربي».

 

تضمنت ورقة الدكتور الخريف الإشارة إلى إن منطقة الخليج كانت محدودة جداً لظروفها الطبيعية القاسية ومواردها الشحيحة، ما جعلها طاردة للسكان ومصدرة للعمالة إلى مناطق الهلال الخصيب ومصر. ولكن الصورة تغيرت خلال العقود الخمسة الماضية، إذ شهدت المنطقة ازدهاراً اقتصادياً كبيراً ونمو سكانياً سريعاً. فارتفع عدد السكان من نحو خمسة ملايين فقط في العام 1950 إلى نحو 40 مليون نسمة في العام 2008، أي حوالي ثمانية أضعاف. ففي حين قُدر عدد سكان الكويت– على سبيل المثال– بنحو 120 ألف نسمة في العام 1950م، قفز إلى أكثر من مليوني نسمة في العام 2007م، وازداد عدد سكان الإمارات العربية المتحدة من 70 ألف نسمة إلى أكثر من 4 ملايين نسمة. كما تضاعف عدد سكان قطر مرات عديدة، بداية بعدد لا يتجاوز 30 ألف نسمة العام 1950م، ووصولاً إلى نحو 800 ألف نسمة العام 2007م، بل تُشير الإسقاطات السكانية الأخيرة إلى أن عدد السكان في قطر تجاوز المليون نسمة. والصورة نفسها تتكرر في بقية دول مجلس التعاون. ولخص الخريف النتائج التي توصلت إليها دراسة ملامح الخلل في التركيبة السكانية في هذه الدول، وأسبابه، والآثار المترتبة عليه، بما يلي:

 

1– شهدت المنطقة انخفاضاً تدريجياً في معدلات الوفيات، واكبه زيادة ملحوظة في أمد الحياة، مما حقق مستويات صحية تضاهي بعض الدول المتقدمة.

 

2– شهدت معدلات الخصوبة انخفاضاً تدريجيا ملحوظاً خلال العقد الماضي، مع تفاوت ملحوظ من دولة إلى أخرى. وقد أدى هذا التحول الديموغرافي إلى بروز ما يُسمى «بالفرصة أو النافذة الديموغرافية» المتمثلة في زيادة في أعداد الشباب مقارنة بالفئات العمرية الأخرى، يواكبها معدلات إعالة منخفضة نسبيّاً.

 

3 – يتميز التركيب العمري في دول المجلس بارتفاع نسبة صغار السن، ولكنها تشهد انخفاضاً تدريجيا نتيجة التغيرات في معدلات الخصوبة. ومن جهة أخرى، فإن وجود أعداد كبيرة من العمالة الوافدة أدى إلى ارتفاع نسبة الشباب الذكور، ما أدى إلى تشوه واضح في التركيب العمري، يظهر في هيئة انبعاج في الهرم السكاني، كأحد مظاهر الخلل الديموغرافي في التركيبة السكانية.

 

4– بناء على التغيرات التي شهدتها المتغيرات الديموغرافية (الخصوبة والوفيات)، فإن دول مجلس التعاون تكون قد حققت الجزء الأكبر من التحول الديموغرافي في وقت قياسي، ودون تدخل مباشر من قبل الحكومات للتأثير على الخصوبة من خلال برامج تنظيم الأسرة.

 

5– على الرغم من الإنجازات الكبيرة في مجالات التنمية والإسكان، إلا أن دول مجلس التعاون لم تحقق النجاح المأمول فيما يتعلق بتنمية القوى البشرية، وذلك للتأخر في وضع إستراتيجية سكانية واضحة الأبعاد والمعالم، تحدد الأولويات التنموية. وهذا أسهم، ولو جزئياً، في بروز الخلل السكاني الذي تعاني منه دول مجلس التعاون بشكل أو بآخر، ولكن بدرجات متفاوتة.

 

6– يبرز الخلل في التركيبة السكانية بسبب ارتفاع نسب العمالة الوافدة في بعض الدول، مما يثير اهتمام البعض ويقلقهم، خاصة عندما تصل نسبة الوافدين إلى أكثر من نصف السكان أو ثلاثة أرباعهم.

 

7– تصل البطالة إلى معدلات مقلقة في بعض دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة بين الإناث والشباب، مما يتطلب بذل المزيد فيما يتعلق بالتنمية البشرية بشكل عام، وبناء القدرات وتمكين الشباب بشكل خاص.

 

وأوصى الدكتور الخريف في نهاية الدراسة ببذل المزيد من الجهود تجاه التنمية البشرية عامة، وتنمية القوى العاملة خاصة، أي بناء الإنسان من حيث التعليم والتدريب والتأهيل. وزيادة مشاركة المرأة في قوة العمل من خلال تمكينها وتوسيع الفرص المتاحة أمامها. وتحقيق مزيد من التكامل بين دول مجلس التعاون في النواحي الاقتصادية والصناعية والزراعية. ورفع القيود أمام تنقل القوى العاملة الخليجية فيما بين دول المجلس، لزيادة فاعليتها من جهة، وتعزيز التكامل فيما بين دول المجلس من جهة أخرى. ورفع تكاليف استقدام العمالة الأجنبية لبعض المهن، والنظر في إمكانية تطبيق الحد الأدنى للأجور. والتركيز على العمالة العربية لوجود التجانس في اللغة والثقافة من أجل المحافظة على الهوية العربية والإسلامية. واستثمار «الفرصة الديموغرافية» من خلال توظيف الشباب وتوسيع الفرص المتاحة أمامهم، وتمكينهم للإسهام بفاعلية في التنمية، ومن ثم إحداث زيادة في النمو الاقتصادي وتحسن في مستوى المعيشة نتيجة انخفاض معدلات الإعالة في الوقت الحاضر، وخلال العقدين القادمين. وإجراء دراسات معمقة وجادة لأسواق العمل الخليجية تقوم على مسوحات للقطاعات الخدمية والصناعية والزراعية، وذلك من أجل تلمس الحلول الناجعة، ومن صياغة إستراتجيات واقعية وفاعلة للقوى العاملة بوجه خاص، لتكون ضمن إستراتيجية سكانية شاملة وواضحة الأبعاد والمعالم تكون مرجعية للتخطيط للتنمية في دول المجلس.

 

وجاء في دراسة الدكتور باقر النجار أنه من غير الممكن مناقشة حجم العمل الأجنبي ودرجة الطلب عليه في ضوء الحاجة الاقتصادية الفعلية. فالعمل الأجنبي يقوم بأدوار اقتصادية واجتماعية وسياسية متعددة، وهو في هذا يؤدي وظائف للسياق السياسي كما هو الاقتصادي والاجتماعي. كما أن أدواره في هذا تتجاوز التنظيمات المؤسسية إلى الجماعات والأفراد، وأن استيراده لا يعتمد على الحاجات الفعلية للقطاعات الاقتصادية المختلفة وإنما يعتمد على حقيقة أن جلبه وحضوره ذو منافع شتى لأصحاب القوة والنفوذ في مجتمعات الخليج العربي. فاستمرار تدفق العمالة الأجنبية رغم تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي تعكس في بعضها هذه الحقيقة. وحول تداعيات الأزمة المالية العالمية أشار النجار الى أن الساحة افتقرت خلال العقد الحالي، لسخونة الحديث عن الآثار السياسية والاجتماعية والثقافية للعمالة الأجنبية، سواء أكان ذلك في داخلأروقة ورموز المؤسسة الرسمية، كما هو في إطار المثقفين والكتاب المحليين، وهي بخلاف الحالة التي كان عليها الأمر في عقدي الثمانينيات ولربما بعض التسعينيات. فمع «ثورة» تصاعد أسعار النفط في مطلع القرن الحالي، وصعود نماذج من الرأسماليات المحلية، تجاوزا، والقائمة بالكامل على العمالة الأجنبية، والحديث الإعلامي المتزايد عن هذا النجاح، فإن الكلام عن «آثار أو أخطار» مرتقبة لهذه العمالة بات حديثاً «باهتاً» تدحضه كما يقولون نماذج النمو الرأسمالي الجديدة في الخليج، والتي تطورت بفعل الكثرة العددية الأجنبية وليس بفعل أدوار متعاظمة للعمل المحلي أو حتى العربي، والتي استطاعت من خلالها -أي العمالة الأجنبية- أن تقيم «معجزات» في البناء والعمران الجديد!!. إلا أن هذا الصعود بدا متآكلا بعض الشيء، بل ومتأثرا إلى حد كبير بالأزمة المالية العالمية التي بدأت تعصف كثيرا باقتصاديات العالم،وإن بدا الحديث عن آثارها في المنطقة العربية خافتا إلى حد كبير. بل ونافيا أي تأثر يذكر لها رغم الضرر الذي لحق بالاستثمارات الخليجية في البنوك والمؤسسات المالية والقطاع العقاري الأميركي من جراء هذا الحدث.

«إن أرض الأحلام العربية تلفظ وافديها اليوم بفعل الأزمة الاقتصادية العالمية، بعدما غذّت آمالهم بمستقبل زاهر لسنوات مضت. اليوم، أصبحوا عبئاً على شركاتها ومؤسساتها الضخمة التي يوشك بعضها على الانهيار، ويؤجل بعضها الآخر إعلان إفلاسه». ورغم اللغة الصحفية التي جاء عليها التقرير أعلاه إلا أن الحالة التي باتت عليها شركات ومؤسسات القطاع الخاص هي ليست ببعيدة كثيرا عن ذلك، بل إن الدعوة لترشيد الإنفاق ووقف التوظيف وتقليص النفقات قد شملت هي الآخر القطاع الحكومي في عموم دول المنطقة.

ولخص النجار دراسته بأننا مقبلون على معايشة الأمور التالية:

 

1 – أن الوضع التفاوضي لبعض دول المنطقة مقابل ضغوط الدول والمنظمات الدولية بات متآكلا، الأمر الذي قد يدفعها نحو تقديم تنازلات سياسية على صعيد العلاقة بإسرائيل، أو/ وبدرجة أقل تنازلات سياسية على صعيد الداخل، تتمثل في المزيد من التحديث السياسي والتحول الديمقراطي، وهي مسالة لازالت مؤجلة في بعض دول المنطقة.

 

2 – إن خطوة البحرين في إلغاء نظام الكفالة كنظام يربط العامل الأجنبي بصاحب العمل قد تعمم، وإن خطوة البحرين ستعقبها خطوات مماثلة لدول خليجية أخرى في ذات الإطار، وإن ذلك يمكن أن يحدث على المدى القريب وليس المتوسط، رغم المعارضة الشديدة التي يمكن أن تواجهه خطوة كهذه من قبل أرباب العمل، وبعض قطاعات المجتمع المستفيدة من استمرار نظام الكفالة.

 

3 – إن خطوة أو خطوات فيما يتعلق بشرعنة العمل النقابي ستأخذ مداها في بعض الدول الخليجية كسلطنة عمان وقطر والإمارات على المدى القصير. وإن ضغوطا دولية ستمارس من أجل أن يكون ذلك شاملا للعمالة الأجنبية في إطار مطالبات دول الإرسال والمنظمات الحقوقية الدولية والدول الأوربية الكبرى بحرية التشكل النقابي للعمالة الأجنبية، وأن حدثا مثل ذلك سيقوي من الموقع التفاوضي للعمالة الأجنبية مقابل أرباب العمل.

 

4 – إن خطوة أخيرة متعلقة بإعطاء حقوق مدنية للعمالة الأجنبية ستكون على أجندة الدول الكبرى والمنظمات الحقوقية، إلا أنها مسألة لن ترى النور على المدى القريب جدا، كما هي الحقوق السابقة الذكر، إلا أن اختراقات بخصوصها قد تحدث في بعض دول المنطقة خلال مطلع العقد القادم مع استمرار الحالة الاقتصادية والسياسية الآنية. وإن مشاريع الإقامة الدائمة وحق التملك دون شريك أو كفيل محلي، والتي أخذت فيها بعض دول كالبحرين ودبي قد يعمم على بقية أقطار المنطقة. وقد يثير هذا مخاوف توطين العمالة، وبالتالي حصولها على كامل حقوقها السياسية في مجتمعا قد يكون فيها صندوق الاقتراع الفيصل الرئيسي في صناعة الحكم.

 

5 – أن تدهور أوضاع بعض مؤسسات المال والشركات العقارية سيقود لمزيد من التسريحات العمالية التي ستصيب بشكل كبير العمالة الأجنبية، إلا أنها ستصيب كذلك العمالة الوطنية في الكويت والبحرين والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان. وهو الأمر الذي قد يترافق مع مزيد من التقليص في أجور الموظفين غير المسرحين، أو في تأخير دفع الأجور كما يحدث الآن للكثير من العمالة الأجنبية في بعض الشركات الإنشائية والخدمية. وقد تشهد المنطقة مزيدا من الاضطرابات العمالية تقودها العمالة البنغالية والهندية، وهو مشهد قد ينقل العدوى لبعض قطاعات العمل المحلي في الدول التي لا تبيح للعمال الاضراب أو الامتناع عن العمل.

 

6 – رغم أننا لم نلحظ تسريحات واسعة لعمالة وطنية إلا أننا بتنا نسمع عن تسريحات قد تكون بالعشرات للعمالة الوطنية، وأن بعض أسر المسرحات والمسرحين قد باتت تواجه مشكلات معيشية جديدة، أو عدم قدرة على التكيف مع حالة البذخ التي كانت تعيشها في الفترة السابقة للسقوط. وهي حالة لا يوجد من المؤسسات الرسمية أو الأهلية من يساعدها على الخروج من مأزقها المالي أو يساهم في معالجتها. بمعنى آخر أن هناك مشكلات اجتماعية جديدة باتت تعاني منها أسر المسرحين والمسرحات، بعضها قد يكون افتقارا لدخل مالي، وبعضها الآخر مشكلات اجتماعية تكيفية. وفي ظل غياب تام لمؤسسات حكومية وأهلية قادرة على المعالجة فإن مشكلات هذه الأسر مرشحة للتفاقم.

 

7 – تقلص في الطلب قد حدث في بعض القطاعات مع استمرار تدفق العمالة الأجنبية الأمر الذي سيقود نحو تقلص في الأجور، وبداية للهجرة المعاكسة، إلا أنها لن تكون على نطاق واسع فمازالت دول المنطقة وتحديدا الكويت وقطر والإمارات العربية السعودية تمتلك بعض السيولة المشغلة لسوقها المحلي.