د عبدالخالق عبدالله | الوقت

أثار تقرير منظمة هيومان رايتس واتش الأخير ردودا رسمية وإعلامية غاضبة في الإمارات. فقد لاحظ التقرير ”تدهور وضع حقوق الإنسان في الإمارات” في العام 2009 لاسيما حقوق العمال بسبب تدهور الوضع الاقتصادي. وطالب التقرير الحكومة بعدم التضييق على نشطاء حقوق الإنسان، وتأكيد استقلالية القضاء والرجوع إلى القانون في التعامل مع الأفراد المتهمين في قضايا الفساد المالي وعدم الزج بهم في السجن من دون الحصول على حكم من المحاكم ورفع سقف الحريات و”إدخال إصلاحات مؤسسية واسعة لمعاقبة المسؤولين عن انتهاك حقوق الإنسان”. وقد جاء الرد الرسمي الإماراتي سريعاً وواضحاً وأكد أن التقرير ”يفتقد إلى التوازن ويورد صورة منافية تماما للتطور الكبير الذي تشهده الإمارات في مجال حقوق الإنسان”. وكرر بيان جمعية الإمارات لحقوق الإنسان الموقف الرسمي، حيث اعتبر التقرير ”غير متوزان وغير ايجابي”. أما التعليقات الصحفية فقد جمعت بين الهجوم على منظمة هيومان رايتس واتش وإعلان أن الإمارات ”بريئة كل البراءة” من التهم الواردة في تقريرها. فقد وصف الأديب والصحافي علي ابوالريش تقرير المنظمة بأنه ”يخلو من النزاهة ويحمل لغة عدوانية ويميل إلى التحريف والتشويه والتعالي على دولة الإمارات لتحقيق مآرب وأهواء وأغراض في نفوس أصحابها”. وذكرت الكاتبة ميساء غدير أن التقرير ”يفتقد للدقة والموضوعية ويعتمد على شهادات شخصية لا يعتد بها في إطلاق أحكام جائرة ضد الدولة”. في حين وصف الزميل علي العامودي منظمة هيومان رايتس واتش بأنها ”منظمة تنشر الأكاذيب”. أما عميد كلية الإعلام بجامعة عجمان خالد الخاجة، فأكد ”أن التقارير التي تصدرها المنظمات الحقوقية مثل هيومان رايتس في أغلبها تقارير مكتبية ومعلبة، وخلفيات هذه المنظمات ليست بريئة ولديها أكثر من مكيال”. والحقيقة أن هذا التقرير ليس الأول، ولن يكون الأخير في سلسلة التقارير الدولية الدورية التي ترصد واقع حقوق الإنسان في دول المنطقة وتعطي الإمارات درجات متدنية في مجال الحريات في الوقت الذي تعلن فيه الإمارات أنها الدولة الخليجية والعربية الأكثر انفتاحاً اجتماعياً وتسامحاً فكرياً واستقراراً سياسياً وكرماً مع العمال والوافدين والمقيمين على أرضها. أين إذا يكمن الخلل؟ هل المشكلة في التقارير الدولية أم في الممارسة على ارض الواقع؟ هل هذه التقارير مغرضة ومتحاملة على الإمارات من دون وجه حق، أم أن هذه التقارير تعطي صورة واقعية عن سجل الإمارات في مجال الحريات وحقوق الإنسان الذي يبدو انه متواضع جداً، ولا يرقى إلى المستوى العالمي. مهما كان الأمر فإنه من المهم الاعتراف أولاً بقصورنا قبل الدفاع عن سجلنا الذي يصعب الدفاع عنه في مجال الحريات. ثم إن الهجوم على التقارير الدولية وافتعال معارك مع منظمة هيومان رايتس واتش غير مفيد. أما الدفاع المستميت عن سجل الإمارات في مجال الحريات غير مقنع. إن أسوأ مدخل هو تقمص دور البريء والمظلوم عندما تكشف هذه التقارير عن قصورنا وتشير إلى أن أداءنا في المجالات الحقوقية ليس في أفضل حالاته. فالمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، كمنظمة هيومان رايتس واتش ليست معنية باستهداف الدول بقدر ما تسعى لمراقبة أداء الحكومات وفضح تجاوزاتها وتوثيق انتهاكاتها الصارخة ضد الإنسان. والتقارير الصادرة عنها ساهمت كثيراً في الخمسين سنة الماضية في تطوير واقع حقوق الإنسان في العالم. ومن يتابع هذه التقارير عن قرب يعرف أنها تنطلق من أهداف إنسانية نبيلة، حيث إنها ترصد الظلم والقمع والاستغلال الذي يمارس ضد الإنسان في كل مكان. ثم أن التقارير الدولية يتم وضعها من قبل منظمات متخصصة، وعادة ما يقوم بالإشراف عليها فريق من الباحثين الجادين، وتخضع النتائج النهائية لضوابط منهجية خصوصاً لجهة الدقة في جمع البيانات. هذه التقارير ليست بأعمال فردية ودعائية، ونقدها مهما كان حادا إلا انه يكون في العادة هادفاً وغير مغرض. من المشروع جدا مناقشة مدى دقة البيانات الواردة في هذه التقارير، لكن لا ينبغي الاعتقاد إطلاقاً أن هذه التقارير الدولية تنشر أكاذيب وان هدفها مجرد التحامل على الدول. من يؤمن بهذا فهو واهم ولا يعرف كيف ينبغي التعامل الايجابي مع التقارير الدولية وسيظل باستمرار ضحية اعتقاد انه برئ كل البراءة وان العالم الخارجي يتآمر ضده وان سجل الإمارات في مجال الحريات وحقوق الإنسان غير قابل للنقد. لذلك بدلاً من الهجوم العقيم على التقارير الدولية من باب أولى العمل معاً وسوياً من اجل تحسين وضع حقوق الإنسان في الإمارات. فسقف الحريات يمكن أن يكون أفضل مما هو عليه. وتعامل الشركات الاستغلالية مع العمال يمكن ان يكون أكثر تحضراً. والقضاء يمكن أن يكون أكثر استقلالاً. والتغلغل الأمني في المجتمع يجب أن يتوقف حالاً. والتفرد في القرار لا ينبغي أن يستمر طويلاً. والوصاية على مؤسسات المجتمع المدني يجب أن يرفع سريعا. كما يمكن للإمارات عموماً أن تكون أكثر ديمقراطية لو قامت بإجراء انتخابات حرة لاختيار أعضاء مجلس وطني يتمتع بالصلاحيات التشريعية والرقابة الكاملة. عندما يحدث كل ذلك ستكون كافة التقارير الحقوقية ايجابية ولن يصفها أحد بأنها مغرضة ومتحاملة على دولة الإمارات التي تأتي ضمن قائمة الدول غير الحرة في العالم وفق تقرير بيت الحرية، وفي المرتبة 86 عالمياً وفق تقرير مراسلون بلا حدود الذي صدر الأسبوع الماضي وهو ترتيب غير مفرح على الإطلاق ولا يليق بمكانة دولة الإمارات. إذا كان الهدف كما جاء في الوثيقة الوطنية التي أعلن عنها حديثاً أن تكون الإمارات من ”أفضل الدول في العالم”، فلماذا لا تكون أفضل دولة وفق معايير الديمقراطية والمشاركة والشفافية واستقلالية القضاء وفاعلية مؤسسات المجتمع المدني والحريات وخصوصاً حرية الرأي والتعبير والصحافة التي تراجعت كثيراً في الآونة الأخيرة كما تشير إلى ذلك كافة التقارير الدولية. لا يوجد سبب واحد مقنع أن لا تصبح الإمارات الأولى في مجال الحريات والأفضل في مجال حقوق الإنسان كما تحتل المراتب الأولى وفق مؤشرات حرية التجارة والتنمية الإنسانية والمعرفة. هذا الأمر وضع الحريات في قلب الوثيقة الوطنية لعام 2021 والسير سريعا في برنامج الإصلاح السياسي والانفتاح الديمقراطي الذي تأخر انجازه كثيراً.