ثمة خلط بين حرية التعبير كقيمة حضارية وبين الفوضى التي تطال استقرار الشعوب والمجتمعات؛ والتي نرى أثرها السلبي في الأثمان الباهظة التي تدفعها بعض الدول وتؤثر على استقرارها ونمائها وتطورها.

ولا شك بأن حرية التعبير، تُعدّ من أهم العلامات الفارقة في مسيرة وتطور المجتمعات والأمم، تلك حقيقة ثابتة وبصمة دامغة لا يمكن القفز فوقها أو من حولها، ولكن تلك الحرية التعبيرية يجب أن تكون مسؤولة ومنضبطة وتتحلى بالموضوعية والمهنية، وذلك لكي تستقيم وتتمظهر هذه الممارسة التعبيرية ولتُحقق الأهداف والمعاني التي تتبناها وتُبشّر بها.

وحرية التعبير بلا شك تُسهم في تنمية وازدهار المجتمعات والأمم، لكنها بحاجة ماسة وضرورية لاحترام وتقدير المقدسات والثوابت والمعتقدات والثقافات والعادات لتلك المجتمعات والأمم، دون أن تغفل طبعاً وظيفتها المهمة في تعزيز ثقافة الانتماء للوطن والولاء لقادته والدفاع عن قيمه والتصدي لأعدائه، تلك هي المنظومة الحضارية والأخلاقية التي يجب أن تتمثل في الممارسة الطبيعية لحرية التعبير.

من المهم التأكيد على أن حرية التعبير، قيمة حضارية ضرورية وصحية، تُسهم في رقي وتطور المجتمعات والأمم، ولكنها من دون ضوابط قيمية أو أخلاقيات مهنية تتحول إلى فوضى صاخبة وبيئة محتقنة. حرية التعبير، هي وحدة قياس حساسة ودقيقة لقيمة ومكانة المجتمعات والأمم، لذا يجب أن تكون منضبطة ومسؤولة، لا أن تكون منفلتة أو بوهيمية؛ إذ لا بد لها من مخزون من الوعي وفيض من الحكمة لتستقيم مساراتها وتتزن تموجاتها، لتكون أكثر قيمة وفائدة، ولكي لا تتحول إلى “حرية مطلقة” لا يمكن كبح جماحها أو السيطرة عليها، فضلاً عن تأثيراتها الكارثية غير المحمودة. السماح بحرية التعبير بالمطلق دون ضوابط وقوانين تُنظم هذه الممارسة المعقدة، هو تماماً مباركة وتشجيع للفوضى والعبثية، بل وشرعنة الاعتداء والتجاوز.

وبنظرة هادئة ومتأملة للمجتمعات والأمم التي تتمتع ببيئات متحررة ومتسامحة منذ عقود، تجدها تحمي وتصون تلك الحالة الحضارية المتقدمة من حرية التعبير بوجود حزمة صارمة من القوانين والتشريعات التي ترسم وتؤطر تلك الثقافة والممارسة، وذلك للحفاظ على حالة السلم والتعايش المجتمعي وخلق أجواء متسامحة وصحية بين مختلف مكونات وتعبيرات المجتمع.

حرية التعبير ملمح حضاري وقيمة جوهرية وصحية لتطور وازدهار المجتمعات والأمم، تدفع بها للتحديث والتجديد، ولكنها بحاجة ماسة وملحة للتحلي بالمسؤولية والموضوعية التي تضمن نجاح حرية التعبير كممارسة حضارية متقدمة.

في مملكتنا الغالية وبقيادتنا المستبصرة الواعية نعيش عهداً زاهراً يتمتع فيه أبناؤها بكافة أطيافهم بهذه الحرية التي عززتها قيادتنا الواعية التي فتحت قلبها قبل أبوابها لكل صوت يحرص على نماء وطنه دونما تمييز أو محاباة.