محمد الرميحى | مجلة اراء حول الخليج

فى الأمور السياسية لاشىء يتكرر بنفس النمط والمقدار.وان تشابه، وخاصة فى العلاقات الدولية التى هى من طبعها متغيروة بتغير الأشخاص والظروف والمواقف والمصالح. فأمام اسئلة صعبة كالتى تطرح فى هذا المحور لمجلة(اراءحول الخليج) والتى تدور حول ما الذى سوف تنتهى إليه المواجة بين ايران من جهة والولايات المتحدة من جهة وربما بعض القوى الغربية؟ وأين تقف دول الخليج حيال تلك المواجهة الباردة أو المتحولة إلى ساخنة؟ فمن الصعب القطع بقول نهائى.إلا أن القادم فى هذه المطالعة هو محاولة لقراءة الاحتمالات من خلال سبرالتاريخ الماضى واتصاله بالأحداث العالمية والاقليمية الكبرى. المتابع يلاحظ أن هناك تحولات لافتة فى موقف الدول الكبرى(وهنا فى الأساس الولايات المتحدة)واقترابها من المشكلات العالمية ومنها بالطبع (الملف الايرانى) لقد حاولت ادارة السيد باراك أوباما الوصول الى نتيجة ما فى هذا الملف. واقتصرت أولوياتها على (الملف النووى) وبعد جهد دبلوماسى كبير، مع دول أخرى(أى ما عرف بالخمسة زائد واحد) توصلت الأطراف إلى اتفاق يؤخر المشكلة ولا يقوم بحلها.أى اعطاء النظام الايرانى فرصة زمنية يوقف اثنائها(التخصيب)المضر! إن صح التعبير ،فى مقابل الكثير من الامتيازات الاقتصادية و الدبلوماسية و الجيوسياسية ، الأمر الذى لم يكن مقبولاً لدى قطاع اخر من صناع الادارة الامريكية.

وقد جاء السيد دونالد ترامب ليقلب ذلك الاتفاق رأسا على عقب. ويعيد الملف الحرج غلى الصفحة الأولى،على الرغم من عدم رضاء من قبل قوى أوروبية صديقة للولايات المتحدة.

القوى الخليجية او الفاعلة منها كانت تنظر إلى اتفاق(5+1) بريبة ‘فهى لم تكن طرفاً ولم تدعى الى المفاوضات ،كما أن القوى المفاوضة لإيران طوال تلك الفترة التى سبقت الوصول إلى اتفاق (يوليو 2015) لم تهتم كثيراً بمناقشة المخاوف الخليجية والعربية.وهى الدول المحاذية والمجاورة لإيران.حيث أن أولوية تلك الدول هى (مخاطر التمدد الإيرانى فى الجوار) سواء فى العراق او سوريا أو اليمن أو لبنان والمناوشات التى تفتعلها إيران مع الدول المجاورة من خلال تجنيد بعض مواطنى تلك الدول من أجل الاخلال بأمنها.تلك الهواجس والمخاوف لم تكن بحسبان الدول التى فاوضت إيران وربما كان اخر همها.على تلك الخلفية تم بناء مسرح عمليات المواجهة التى تتطور بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة ،وبين إيران من جهة أخرى، وهى مواجهة متحركة وتحمل مخاطرها الكبرى على الأقليم وتتشابك فيها مصالح دولية واقليمية وتحتمل عدد من السيناريوهات.

السيناريو الأمريكى:

فى سبتمبر 1901م ،خاطب وقتها نائب الرئيس الأمريكى ثيودور روزفلت جمعاً من مؤيديه مبشراً بالسياسة التى يعتنقها فقال تعبيراً اصبح مشهوراً فى التاريخ الأمريكى الحديث حيث قال( تحدث بلين واحمل عصا غليظة..فالطريق أمامك طويل).. وقتها كانت القوة العسكرية الأمريكية محدودة، بعد ذلك الخطاب بأيام قتل رئيس الولايات المتحدة وليم ماكنلى (الرئيس الخامس والعشرون) وجاء روزفلت (الرئيس السادس والعشرون) إلى البيت الأبيض ،قام روزفلت بتطبيق ما دعى إليهجمهوره(العصى الغليظة) وطفق يحدث المؤسسة العسكرية الأمريكيةعددا وعدة، ومن المصادفة ان شعاره كان ( أمريكا عظيمة) نفس الشعار الذى تبناه السيد دونالد ترامب، الرئيس الخامس والأربعون ولكن بعد ذلك التصريح المشهور بقرن وبضع سنين.القرن الذى بدأ برئاسة روزفلت وسياسة التوجه إلى بناء القوة العسكرية سمى لاحقاً من مؤرخين كثر بانه (القرن الأمريكى) شاركت أمريكا فى حوالى عشر حروب كبرى خلاله بما فيها حربان عالميتان . وخسرت على أفضل المصادر توثيقاً أكثر بقليل من 700 ألف قتيل،وحوالى مليون جريح ومعاق،الرقم نفسه أقل بكثير من ضحايا حروب القارة العجوز(أوروبا) الطويلة او الامبراطوريات الشرقية،إلا أنه رقماً يثير مخاوف لدى الجمهور الأمريكى العام‘خاصة إن علمنا أن الهجرات الأولى إلى أمريكا من أوروبا هى هجرات هاربة من الحروب التى تشنها الامبراطوريات الغربية على بعضها طلباً للتوسع وفيها يفقد ملايين من الضحايا البشرية أرواحهم،وكذلك فرارا من الاضطهاد والظلم،فمن الطبيعى ان يقيد المشرع الأمريكى فى الدستور عملية (اعلان الحرب) ويجعل ذلك الاعلان شراكة بين الجسم المنتخب من الناس(الكونجرس) وبين الرئيس المنتخب ،ومع ذلك نجد أن الرؤساء الأمريكان أو عدداً ليس بالقليل منهم خاضوا حروباً رغماً عن ذلك التقييد او تم التحايل عليه كما وثقه كتاب صدر مؤخراً بعنوان ( رؤساء الحروب) ويصف المؤلف فى هذا الكتاب (عمليات ) التحايل القانونى التى وفرت لرؤساء أمريكيين شن حروب عديدة دون الموافقة الرسمية زالعلنية للكونجرس.دفاعاً عن ما عرف ب(المصالح الأمريكية العليا).

المستجد فى استخدام القوة الأمريكية:

فى العقود القليلة الأخيرة نلاحظ فى الفضاء السياسى الأمريكى أمرين : الأول :ان القوة الأمريكية تفقد (زخمها) فى العالم . وتتخلى تدريجيا وبشكل غامض عن كل من القيم الديمقراطية العميقة التى نشأت عليها واستطاعت تسويقها على مدى قرن واكثر، و(الثانى) انها تتخلى عن الدفاع عن منظومة الاستقرار العالمى .يمكن فهم السياسة الترمبية الحالية إنها محصلة معادلة (عدم الكفاءة فى استخدام القوة الخشنة فى العقود الأخيرة . والنقص الفاضح فى استخدام القوة الناعمة)، وترمب هةو التجسيد الأكثر وضوحاص لها ولكنه لم يصنعها وحده، فقد تكونت تلك المعادلة بمرور أكثر من عقد نتيجة التحديات العالمية تحديات اليوم تتفوق على ما سبقها.

أمام الولايات المتحدة اليوم على الأقل أربعة من التحديات الكبرى: أولها اضطراد نمو الصين كقوة اقتصادية عظمى والتى سرعان ما سوف تتحول الى سياسة ،وثانيها حركات العنف ذات الماكأ الاسلامى من بوكو حرام إلى داعش مروراص بإيران وأفغانستان ومشابهاتها،وثالثها السباق فى الفضاء الخارجى،والرابع معارك الفضاء الالكترونى متزايد الخطورة .عدا الأعلان الغامض عن (حرب الأرهاب) والضغط الاقتصادى الأكثر غموضا على الصين،لا يبدو ان ادارة ترامب لديها وضوح فى كيفية مواجهة التحديات ألخرى .الأساس فى عدم القدرة على مواجهة هذه التحديات أن الولايات المتحدة منذ فترة ليست قصيرةغير قادرة أوربما غير راغبة فى استخدام (القوة الخشنة) وهذه الحقيقة ليست خاصة بالادارة الحالية، فقد عانى من قبلها من الأمر نفسه بسبب( متلازمة حرب أفغانستان والعراق) وايضا بسبب التراث السياسى الأمريكى. لكن هذه المشكلة تهون نسبياً إذا ما قورنت بالمشكلة الكبرى، وهى أنها لم تعد تحسن استخدام أو ادارة (القوة الناعمة) التى كانت تسمى فى وقت ما (القيم الأمريكية العميقة) فحادثتا السفير من جهة والنائبات من جهة أخرى تنبئان عن عدم تسامح وعدم قبول للاخر،وهما من بين عناصر أخرى يفقدان جاذبية القيم الأمريكية الناعمة للجمهور العالمى الأوسع.لقد أخذ السيد ترامب تراجع القوة الأمؤريكية( الخشنة والناعمة) إلى صعد غير مسبوقة،فهو قد تحدث بخشونة مع حلفاء الولايات المتحدة فى منظومة الحلف الأطلسى وطالبهم برفع مساهماتهم المادية فى ميزانية الحلف. وهدد بوضوح باحتمال تخلى أمريكا عن سياسة (المظلة) التى اتبعتها بعد الحرب العالمية الثانية لحماية أوروبا نوويا، كما تحدث بلغة تنقصها الدبلوماسية مع حلفاء اخرين،إنه لن يقوم بالمساعدة فى ضمان أمنهم إلا بعد أن ( يدفعوا) مالاً إلى الخزينة الأمريكية فى صور شتى، ومن جانب اخر سحب ماتبقى من تأثير للقوة الناعمة التى كانت تجذب تعاطف مجتمعات كثيرة(الحلم الأمريكى)من جملتها احترام الحريات وقبول المهاجرين والدفاع عن القيم العليا الانسانية فهاجم المهاجرين ومنع بشكل كامل الهجرة من بلدان بعينها بعضها جارة لصيقة لامريكا،كما منع دخول مواطنين لبلدان أخرى هكذا بالمطلق.كل ذلك سحب من رأس المال الأخلاقى للولايات المتحدة وزاد من معارضتها على المستوى الدولى.ان اضفنا إلى ذلك أن النظام الأمريكى الانتخابى نظام يحمل سيولة شديدة ،كل أربع سنوات للرئيس وسنتين انتخابات لنصف الكونجرس ،مما يقيد الادارة السياسية من الالتزام بسياسات بعيدة المدى، ويواجه الرئيس ترامب انتخابات (2020م) وهى عادة انتخابات حاسمة للرئيس كونه رئيس لفترة واحدة أو فترتين مما يعقد اتخاذ قرارت السلم والحرب. وخاصة الحرب. لأن جمهور ترامبلاهو فى الأغلب فى المدن الصغيرة والمتوسطة البيضاء والتى يتوق سكانها إلى تعليم ابنائها والحرص على مستقبل امن لهم لا زجهم فى حروب بعيدة.هذا يقيد الادارة فى الاستخدام الفعال لقوة الخشنة.

السناريو الإيرانى:

بعد اربعة عقود من حياة النظام الايرانى القائم ويواجه النظام مجموعة من الاشكالات العميقة على المستويين الايدلوجى والمعاشى،فعلى المستوى الايدلوجى يدخل النظام فى نفق شبه مظلم ، حيث أن نظام (ولاية الفقيه) وهى اختراع غير واقعى جاء به السيد روح الله بن مصطفى الخمينى معاكس تماما لتاريخ من الاجتهادات الشيعية الإثناعشرية، ومعاكس لخبرة تاريخية من قبل المراجع الشيعية الإثناعشرية وهى النفور من التدخل فى الشؤون السياسية على مر عصور . الأصل فى الاجتهاد الشيعى الإثنا عشرى هو النأى برجال الدين والثائمين على التثقيف الدينى الايمانى عن السياسة فيما يعرف بفقه الانتظار .وفقه الانتظار جاء نتيجة تجارب مريرة فى الصراع السياسى ،انتهت إلى ضرورة انتظار ظهور الامام الغائب من أجل قيادة الأمة والنأى بالنفس حتى ذلك الوقت عن العمل السياسى المباشر او غير المباشر باعتبار ذلك منجاة من الفشل سياسيا ،على أساس ان الشخص العادى -ملكاَ او حاكماً- يمكن أن يفشل ،أما الفقيه فأن فشله السياسى ينسحب على المذهب ككل وعلى الحوزة وتحميلهما وزر ذلك الفشل .فى المسيرة التاريخية للمذهب الإثناعشرى الايرانى كانت هنامك بعض الرخص التى ترخص بها بعض الفقهاء للعمل السياسى غير المباشر،ويذكر لنا التاريخ تجربة الحكم الصفوى عندما قرر اسماعيل الأول فى بداية القرن السادس عشر الميلادى ان يحول إيران إلى المذهب الشيعى الأثناعشرى،وهدف من ذلك غلى غعطاء الشعوب اإايرانية هوية مخالفة للجوار ومنصة للعداء مع منافسيه الغثمانيين السنة،وكانت امبراطوريتهم فى ذلك الوقت هى القطب المنافس لبسط سيطرته فى المنطقة وقتها ظهر ما يمكن ان يسمى(ثنائية الفقيه والسلطان) اى استعانة السلطان الصفوى على امتداد حكمه وبدرجات مختلفة بالفقيه الشيعى من أجل ترسيخ سلطانه لدى الشعوب التى سيطرت عليها الامبراطورية الفارسية ،ولكن الفقيه الصفوى لم يجرؤ على أن يكون ذا سلطان سياسى مطلق،بل إن بعض الفقهاء الذين استعانت بهم فى الدولة الصفوية اختلفت معهم هذه الدولة وهمشتهم فى وقت أخر .وفى بداية القرن العشرين يظهر لنا شكل اخر من انخراط الفقيه الاثناعشرى فى السياسة،هذه المرة من خلال الفقيه الليبرالى الذى حث على المضى فى حركة (المشروطية) وتشجيع المطالبة بالتمثيل الشعبى بين عامى 1905- 1907 م وتعرف بالثورة الدستورية، التى أدت إلى قيام برلمان شارك فيه بعض الفقهاء،ولكنهم لم يقربوا الحكم المباشر،كان دورهم تحريضيا ،وتبنى عدد ليس بالقليل منهم أفكاراً ليبرالية مماثلة لتلك الأفكار السائدة فى غرب القارة الأوروبية فى تلك الفترة من الزمن،سميت تجربتهم تاريخيا بالليبرالية المؤمنى.عاد من جددي النظام الحاكم فى إيران لاستخدام الفقيه الثناعشرى فى ستينيات القر ن العشرين فيما عرف بثورة محمد مصدق الوطنية، ولكنه كان استخداما سلبيا.فقد حرض الفقهاء العامة وقتذاك على حكومة محمد مصدق بذريعة أنها (تحمل الأفكار الشيوعية) وعلى هذا الأساس-وليس من دون دعم غربى_ أطيح بثورة مصدق التحديثية.

فى كل المراحل السابقة كان الفقيه يقوم بدور (السنيد) للعمل السياسى اليجابى او السلبى ، ويستخدم لتعبئة تعاطف العامة عند الضرورة من أجل نصرة هذا أو ذاك من المشروعات السياسية وكان ذلك منسجما مع الفكر التقليدى الاثناعشرى من ناحية عدم التورط فى حمل العبء السياسى المباشر وانتظار عودة المعصوم، حيث ا اقامة الدولة فى زمن الغيبة افتئات على المعصوم لأنه وحده فقط المناط به إقامة الدولة، لأن أحد شروط غقامة الدولة فى الفقه الاثناعشرى هو جلوس المعصوم على رأسها اما الفقيه الأثناعشرى المتقدم(المرجع) هو إمام الدعوة على أكثر تقدير لا إمام الدولة. سار الأمر فى معظم تاريخ المذهب الأثناعشرى على القطيعة النسبية بين الدولة وبين الفقيه، أو التعاون فى أحسن الأحوال تحت شروط محددة،كما حرصت كل أشكال الدولة الإيرانية منذ الصفويين ومنها الحديثة على أن تسترضى الفقيه وتقدم له الامتيازات الخاصة بالحوزة والتعليم الدينى على شرط ان يقابلها بالولاء او على الأقل عدم التحريض ضدها.وكان ذلك حتى عصر الشاه محمد رضا بهلوى.فى وقت ماليس ببعيد قبل الثورة الايرانية الأخيرة .بقيت الحوزة الرسمية الشيعية ضد فكرة التدخل فى السياسة بل وصل بعضها حتى إلى نفى فكرة وجود (دستور حديث للدولة) والأغلب أن الحوزة كانت ترفض قراءة بعض المجتهدين لمشاركة الفقيه فى السياسة او الأشتراك فى الحكم ،حتى مساعدى الخمينى من الليبرالين كانوا تحت قناعة أن الخمينى يقوم بالحشد ولكن نحن نحكم ! القفزة التى فارقت كل ذلك التاريخ هو ما جاء به السيد الخمينى ،فقدم فكرة(ولاية الفقيه) التى سار بهاالبعض نتيجة ظروف تاريخية معقدة ولكنها مشروطة بماعرفه بعضهم ب(شورى الفقهاء) .ومع ترسخ سلطة الخمينى وعدد من الأحداث العسكرية والسياسية تحول الأمر فى ولاية الفقيه من شورى الفقهاء إلى ولاية الفقيه المطلقة. وإمساكه بزمام السلطة المادية(المال و العسكر) والروحية. فتراجعت ثم تنحت فكرة0ولاية الأمة على نفسها) وغيرت بعض نصوص الدستور الأول إلى حكم مطلق ،وهمش كلا الاجتهاديين المشاركة أو المشروطية وتحول النظام الإيرانى -كما يظهر ويمارس اليوم- إلى نظام استبدادى وشخصانى مطلق ، استخدم سلطان الترهيب الذى يقود إلى الخوف ثم الصمت للسيطرة الكلية و الشاملة مما نتج عنه فداحة فى التعدى على الحقوق البسيطة للمواطن فى إيران ، لقد خلق بعض رجال الدين(الغول) واستعصى عليهم ترويضه.

المشروع الإيرانى السياسى القائم على (ولاية الفقيه) لم يستطع كما هو كتوقع أن يقدم نموذجاً تنموياً حديثاً،فكان لابد من خلق ما يعرف ب(الثورة الدائمة) إى اشغال الشعوب الإيرانية بسياسة خارجية تحقق طموحات غامضة فى إقامة (الدولة الأمة)أى أن إيران السلامية مسؤولة عن كل المسلمين ( المستضعفين)فى كل الدول ومنها بالطبع العربية المجاورة وسبيلها فى ذلك القضاء على الدولة المدنية فى سبيل إقامة(دولة الأمة) ذات الصيغة الشيعية فإيران الإسلامية لا تعترف ( بالدولة الوطنية) مشروعها هو الدولة الدينية التى لا تعرف بالجغرافيا بل تسعة إلى تقويض الدولة الوطنية وغحلال قوى وفصائل (مذهبية او دينية) تدين لإيران بالولاء السياسى. وهى تفعل ذلك من خلال تطويق دول الخليج من الشمال ( العراق وسوريا) ومن الجنوب(الحوثى فى اليمن) وتتحالف ولو بشكل غير علنى مع المشروع (الاخوانى) بقيادة النظام التركى، الذى لا يعترف أيضا بالحدود الجغرافية للدولة الحديثة. واصبح الوعى السياسى فى الأقليم فى مفترق طرق نتيجة الهجوم الاعلامى المنظم على الدولة المدنية الوطنية. لذلك فأن هناك جهودا(ايرانية/ تركية) للإخلال بتوازن القوى فى المنطقة وخلق فراغ تقفز فيه مصالح الثنائى الايرانى التركى إلى المقدمة. فى المقابل يكافح المشروع السياسى الأخر (الدولة الوطنية) على رأسها المملكة العربية السعودية ومصدر ودولة الامارات لترسيخ فكرة الدولة بمعناها الحديث، وتطالب المشروع الإيرانى باحترام الجغرافيا،إلا أن غيران لو انصاعت إلى ذلك الاحترام لفقدت أساس وجودها.حيث أفلست سياسيا فى الداخل وقلصت نفوذها فى الخارج. والنفوذ الخارجى هو التعويض النفسى للجماهير الإيرانية ، وتخرج ذلك التعويض تحت شعارات مختلفة منها بالطبع (المستضعفين) ومنها (محاربة اسرائيل)!

تلك الطبيعة الصراعية فى المنطقة بين التوسع والدولة الأمة وبين الدولة الوطنية الحديثة لاتفهمه حق فهمه الإدارة الأمريكية أو ربما تفهمه ولكن ليس لديها الكثير(غير العقوبات الاقتصادية) وأحسن تعبير على سياستها الحالية تجاه ذلك الصراع انها تجلس على يدها siting on its hand فى انتظار أما موافقة إيرانية على التفاوض أو هبة شعبية داخلية فى إيران وهى احتمالات مفتوحة.ولا تكلف الادارة إلا الحد الأدنى من الموارد.وتبقى حالة الاستنزاف للموارد فى المنطقة مستمرة.

سيناريوهات الصراع:

العقوبات الأقتصادية التى تفرضها الولايات المتحدة على إيران هى عقوبات صارمة وتضر بالاقتصاد و المجتمع الإيرانى، إلا أن العقوبات مهما كانت شديدة فأن اى دولة تخترقها تصبح بمثابة (الثقب الأسود) فى جدار تلك العقوبات، فإيران رغم الضنك الاقتصادى الشديد الذى أصيبت به جراء تلك العقوبات تستطيع أن تتعايش معها.فى نفس الوقت يمكن أن (تزعج) الولايات المتحدة وخاصة حلفاؤها من خلال اصطناع ازمات (موضعية) كلامية وعملية.، كمثل اختطاف السغينة البريطانية بشكل (درامى) حيث يتاح للجمهور الإيرانى الشعور بالتفوق من خلال مشاهدة تلك العملية البهلوانية، وأيضا التهديد الدائم بإغلاق مضيق هرمز أو العبث بامن مضيث باب المندب على فم البحر الأحمر الجنوبى،كما تقوم باستنهاض بعض من (خلاياها النشطة) فى كل من العراق و اليمن أو لبنان أو النائمة فى بلاد مجاورة أخرى للاخلال بالأمن الوطنى كما تتوجه إلى تفعيل نشاط سياسى دبلوماسى مع دول كبيرة ومتوسطة فى أسيا وأوروبا واسيا الوسطى وأمريكا اللاتينية. فى المقابل فإن الولايات المتحدة غير حاسمة فى سياستها النهائية تجاه ذلك المحور، وهى ترسل رسائل متناقضة وتسعى لتحقيق أكبر قدر من الأرباح الممكنة. ما يهمها فى الأساس (لأسباب أمريكية داخلية) هى عدم حصول إيران على القنبلة النووية لان ذلك يهدد أمن اسرائيل ،بقية ألمور قابلة للتفاوض من وجهة نظر الادارة الحالية.

مستقبل المشهد السائد فى المنطقة:

هناك عدد من المحاور فى المنطقة الأول هو الطوق الذى ترغب إيران وتركيا فرضه مع حلفاء محليين على صلب الدولة الخليجية( الدولة الوطنية) نخاصة المملكة العربية السعودية ، وهناك محور مقاوم يتكون من المملكة العربية السعودية ودولة الامارات ومصر مع عدد من الحلفاء ، المحور الأول يسعى جاهداً لبث بروباجندا تتخطى الدولة الوطنية،والمحور الثانى يحاول أن يبنى تلك الدولة الوطنية،المحوران فى حال صدام مستقبلى،إلا أن قصور الفهم الأمريكى للمخاطر،وهى فى الأساس تقويض الدولة الوطنية لصالح أيدلوجيا متشددة وعابرة للجغرافيا،غياب هذا الفهم يوصلنا إلى الموقف المتجمد فى الصراع الحالى فى المنطقة.فى غياب احتمال (القوة الخشنة) فمال الصراع هو ضعف أو تفقو احد المحورين على الاخر بالضربة السياسية القاضية.وهى فى تقدير الكاتب أن تقوم دول الجغرافيا بخلق النموذج الاقتصادى والاجتماعى البديل والحديث وتجعل من مشروعها جاذباً للتأييد ليس من جمهورها فقط ولكن من الجمهور العام فى الشرق الأوسط وخاصة الجمهور الإيرانى ذلك يحتاج إلى خطط واعية وتعبئة الموراد المالية والبشرية والأهم وجود الارادة السياسية واضحة الأهداف!

رابط المقالة https://rumaihi.info/2019/09/08/%d8%af%d9%88%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d9%84%d9%8a%d8%ac-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%a7%d8%ac%d9%87%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d9%8a%d9%83%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%8a%d8%b1%d8%a7/