د سعيد حارب | جريدة العرب – قطر

قسيس متطرف يريد حرق القرآن الكريم أيام عيد المسلمين، ويدعو لذلك على شبكة الإنترنت، فيتعاطف معه عدد من الناس، وترتفع عقيرته بسب الإسلام وشتمه، فنقول إن هذا القسيس متطرف ولا يمثل المعتدلين في أميركا، فهناك كثير من المعتدلين الذين لا يوافقونه الرأي والتصرف، لكننا لم نجد من هؤلاء المعتدلين سوى الأسف والإدانة لهذا الفعل! حتى الفاتيكان الذي يمثل الديانة المسيحية التي تنادي بالسلام والاحترام ويقول نبيها عليه السلام «أحبوا جيرانكم» لم نجد من موقفه سوى «التعبير عن قلقه حيال كتاب تعتبره طائفة دينية مقدساً»، بل إن هذا «القلق» لم يصدر عن البابا نفسه، بل من المجلس البابوي لحوار الأديان، ومع ذلك نقول إن هؤلاء لا يعبرون عن الغرب فهناك معتدلون كثيرون في الغرب! ورئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير، لا يجد تهنئة يقدمها للمسلمين في شهر صيامهم، وقبل أيام من استقبالهم لعيدهم سوى الحديث عن الإسلام المتطرف الذي يصفه بأنه «الخطر الأعظم الذي يهدد العالم»، معترفاً -في الوقت نفسه- بعدم إلمامه بتاريخ الإسلام، وبعدم إحاطته بعمق التطرف الإسلامي، حسب تعبيره كما اعترف بذلك في مقابلة له في قناة «BBC»، ورغم جهله بالإسلام فقد أطلق تصريحه «المتطرف»، وهو يعلم أن هناك ملايين المسلمين -الذين لم يشر إليهم السيد بلير- ليسوا متطرفين، بل ينبذون التطرف والعنف لأنهم يؤمنون بالإسلام الذي لا يعرف عنه السيد بلير شيئاً، بل إنه بـ «مغامراته» العسكرية مع صديقه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش في العراق وأفغانستان وباكستان والصومال وغيرها من بلاد المسلمين، فتحوا أبوابا للعنف والتطرف، لم يستطع المعتدلون من المسلمين إغلاقها حتى الآن، ومع ذلك «يصدمنا» السيد بلير بهذا التصريح، لكننا نقول إن توني بلير لا يمثل الغربيين جميعا فهناك غربيون معتدلون لا يوافقونه الرأي! يرسم رسام كاريكاتير «متطرف» رسوما ساخرة من نبي المسلمين، محمد صلى الله عليه وسلم، فتثور ثائرة المسلمين، ويقاطعون السلع الدنماركية، ويخرج بعضهم في مسيرات منددة بهذه الرسوم، فتنبري صحف غربية أخرى «معتدلة» وتعيد نشر تلك الرسوم في تحد لمشاعر المسلمين، ورئيس الوزراء الدنماركي الذي رفض «إنصاف» المسلمين ولم يتخذ أي إجراء سوى القول إن المسلمين لم يفهموا موقفه بسبب حرية الرأي في بلاده, يصبح بعد ذلك أمينا عاما للأطلسي، ويتولى تنظيم العلاقة وتطويرها بين الحلف والعالم الإسلامي! بل تأتي المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل -قبل أيام- لتكرم الرسام الدنماركي كيرت فيسترجارد بجائزة حرية الصحافة «لالتزامه الراسخ بحرية الصحافة والرأي وشجاعته في الدفاع عن القيم الديمقراطية»، ولا ندري هل سب الآخرين والاستهزاء بمعتقداتهم يعتبر حرية وشجاعة؟! ومع هذا نردد أن الرسام والصحيفة التي نشرت الرسوم والصحف الأخرى وغيرهم لا يمثلون الغرب، فهناك قوى معتدلة في الغرب لا توافقهم الرأي! متطرف آخر في هولندا يصدر الأفلام التي تسيء للإسلام بما تتضمنه من افتراءات وأكاذيب ويبثها على صفحات الإنترنت، ويشن حملة شعواء على الإسلام ومبادئه، وتجد أفلامه صدى لها في الغرب، ومع ذلك نقول إن هذا «المتطرف» لا يمثل الغرب، فهناك معتدلون كثيرون في الغرب! لكن يبدو أن مشكلتنا ليست مع المتطرفين الغربيين، بل مع المعتدلين منهم، فنحن إما أننا نعيش وهماً اسمه المعتدلون في الغرب، أو أنهم -إن وجدوا- لا تأثير لهم في مجتمعاتهم، فعدا عن بيانات «الأسف والشجب»، لا نرى أنهم قاموا بأي دور يذكر لإيقاف هذا التطرف في مجتمعاتهم، وبالمقابل فإن المعتدلين من المسلمين قاموا بدور كبير في لجم التطرف والعداء للغرب، فمنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر قام المعتدلون من المسلمين بنشر مئات الآلاف من الكتب والمقالات والبحوث والمقابلات والبرامج الإعلامية، وعقدوا الندوات والمؤتمرات والمحاضرات التي تدعو للاعتدال ونبذ التطرف، وقد أدت هذه الجهود إلى تضييق دائرة التطرف ومحاصرتها، لكن موقفا واحدا من «متطرفي» الغرب كحرق القرآن الكريم، كفيل بتحويل أكثر المسلمين اعتدالا نحو التطرف، فالقرآن الكريم ليس كتابا مقدسا عند المتطرفين! بل هو كتاب مقدس عند مليار ونصف إنسان يعتقدون أن حياتهم يجب أن تكون وفق هذا الكتاب، فلماذا لا يحترم الآخرون رغبتهم واختيارهم وحريتهم في الإيمان بما يشاؤون، وإذا كان المتطرفون في الغرب لا يقبلون بذلك، فأين هم المعتدلون والعقلاء في الغرب ليقوموا بدورهم في لجم هذا التطرف، أم أنهم يتسترون بستار وهمي اسمه «الحرية»! لكن هذه الحرية لم تمنعهم من سن القوانين التي تقيد حريتهم متى شاؤوا ذلك، فهل يستطيع أي إنسان في الغرب أن «يشكك» فيما يسمى بـ «الهولوكوست» أو مذابح اليهود، بل هل يستطيع أحد من المعتلين في الغرب -باسم الحرية- أن يمتدح هتلر أو النازية أو يدعو إليها؟! بل إن كتاب «صائد الجواسيس» لمؤلفه البريطاني -الجاسوس السابق- بيتر رايت، مُنع من النشر في بريطانيا، لأنه يعرض حياة الجواسيس البريطانيين للخطر، كما قيل في تبرير المنع، مما اضطره لنشره في أستراليا، فأين هي الحرية المزعومة في ذلك؟ إن هذه ليست دعوة للتخلي عن الاعتدال، أو مقابلة التطرف بمثله، بل هي دعوة للعقلاء والمعتدلين في الغرب والشرق للوقوف أمام دعوات الحقد والعنصرية والتطرف والإساءة للآخرين حتى لا يتقدم المتطرفون، ويسود السفهاء.