ونحن نخطو خطوة أخرى في مسيرة التجربة الديمقراطية وتطويرها نتلمس المبادئ والاسس التي نتطلع الى تطوير التجربة وفقها. تحدث في هذه الفترة الكثير من الحوارات واللقاءات والندوات يمكن ان نستخلص منها هذه المبادئ. فمثلا نظمت «أخبار الخليج» مشكورة طاولة مستدير حول «تحولات التجربة الانتخابية في البحرين». شارك فيها عدد من المهتمين واستعرضوا تاريخ الانتخابات في البحرين والخليج وحضور المرأة تاريخيا والحاجة إلى تحديد كوتا لتشجيع المرأة. كذلك عبر المشاركون عن اهمية الانفتاح الثقافي وقبول الاختلاف، وأوردوا عددا من المبادئ المهمة، منها ضرورة خضوع الانتخابات «للشفافية والنزاهة وحياد السلطات، وحرمة دور العلم والعبادة والنأي بها عن الحملات الانتخابية». كذلك نوقشت قضية الكفاءة في القدرات التكنوقراطية والسياسية والحضور المجتمعي والوعي السياسي والانخراط في النشاط المجتمعي والمشاركات في منظمات المجتمع المدني بشكل عام.
كذلك نظمت «أخبار الخليج» استطلاعا للرأي شارك فيه 421 مواطنا، بين أن المجلس «لا يمتلك الصلاحيات الكافية للقيام بالأدوار المنوطة به». فقد اتضح ان ما نسبته 54% من المشاركين يرون ان المجلس النيابي «يفتقد الصلاحيات الكافية»، وان 37% رأوا ان المجلس «يمتلك نسبة من الصلاحيات، ولكنه بحاجة الى رفع سقفها»؛ اي أن 91% يرون أن المجلس بحاجة إلى رفع سقف صلاحياته.
كما أسهمت وزارة الاعلام بمناقشة دور الصحافة في العملية الانتخابية والمسيرة الديمقراطية بشكل عام وبرز من المناقشة عدد من المبادئ التي من شأنها ان تسهم في تطوير المسيرة والعملية الانتخابية لرفع مستوى الفعالية والصلاحيات التي برزت الحاجة إليها في الاستطلاع. فقد اتضح من هذا اللقاء أن الاعلام عليه دور كبير في تطوير العمل السياسي لما فيه مصلحة الوطن والمواطن. فمثلا ركز وزير الاعلام على أهمية تعزيز مبدأ «حرية الرأي والتعبير» لتطوير التجربة الديمقراطية واشاد بالتغطية الاعلامية التي وفرتها الصحافة المحلية. وحثها على المساهمة في الدور التنموي من خلال مناقشة قضايا المجتمع بكل «حرية ومهنية وموضوعية» وان تستمر في الاستعداد لمواجهة تحديات المرحلة القادمة.
بالإضافة إلى ذلك نظمت الصحافة المحلية استطلاعا آخر لمعرفة أفضل النواب أداء، حاز خمسة من النواب على أكبر نسبة واعتُبروا افضل النواب أداء. من صيغة الاستفتاء وما أبداه المواطنون من آراء تبرز كذلك مبادئ أخرى لتطوير العملية الانتخابية والمسيرة الديمقراطية. يمكن للباحثين أن يتتبعوا أداء الفائزين الخمسة في الاستطلاع لاستخلاص المواقف التي عبر عنها الفائزون وسِجل تصويتهم في المجلس وما تشير اليه من مبادئ يمكن استخلاصها لتطوير العملية الانتخابية بحيث تكون أكثر استجابة لمتطلبات المجتمع. فهذا مجال للبحث للتعرف على التوجه العام في المجتمع، ومعرفة الخصال التي يعتبرها المجتمع مؤهِّلة لعضوية المجلس.
لم تتخلف الجمعيات الحقوقية عن الركب فقد أسهمت مساهمة كبيرة في تبيان بعض المبادئ المهمة التي ينبغي أن تترسخ وتتعزز في التجربة الديمقراطية. فمثلا يقول عنوانها ان «الناخبين يتطلعون الى برلمان قادر على مواجهة التحديات». والأهم في هذا العنوان أنهم يخاطبون المجلس كوحدة واحدة ويرون أن «المجلس» ينبغي أن يكون قادرا على الانجاز. وهذا يتفق مع نتائج الاستطلاع الذي أجرته «أخبار الخليج» في ان المجلس هو المخاطب وليس الاعضاء بصفة فردية. النقطة الثانية التي وردت فيما نُشر من قبل الحقوقيين قضية القدرة على «استخدام الادوات الدستورية»، وثالثا التركيز على ان النظام الانتخابي هو «أحد العناصر الاساسية للديمقراطية التمثيلية». هذه المبادئ الثلاثة تبين جوهر التقدم في التجربة الديمقراطية التي نخوضها. مهم جدا ان يتم التعامل مع المجلس على انه وحدة واحدة تتطور مع الزمن بتمكين المجلس من استخدام الادوات الدستورية وتطوير هذه الادوات وإجراء التعديلات التي تمكنه من ذلك؛ وان يتطور النظام الانتخابي ليمكن الناخب من الاختيار لتفرز العملية «برلمانا قادرا على مواجهة التحديات». المبدأ الرابع الذي ورد في خطاب الحقوقيين هو ان «المجتمع المدني معني بمشاركة المواطنين في العملية السياسية، بما يحقق «التوازن بين متطلبات الناس ومصالح الدولة»، وهذا مبدأ مهم وأساسي في تطوير العملية السياسية والتجربة البرلمانية، وكذلك في تحقيق اهداف التنمية. فالتوازن بين السلطات عنصر من عناصر «الضغط السياسي» الذي اعتبرته جمعية الحقوقيين مهم لنجاح التجربة الديمقراطية. خامسا يورد الحقوقيون اهمية مبدأ التوازن بين حقوق المواطنة وواجباتها، وان التمسك بالتجربة البرلمانية واجب وطني، وكذلك «الحرية والرعاية الصحية والتعليم وتوفير الامن والحماية». وأخيرا من المبادئ التي أوردها التقرير هو ضرورة التفريق بين «عدم الرضا والإحباط» أو إظهار خيبة الامل، وان هذا يعالج بوجود سلطة تشريعية قوية تقوم «بالرقابة والمساءلة والتشريع»، أي أن الرقابة بدون مساءلة قليلة الجدوى كما ترى الجمعية.
وفي سابقة حميدة نظم الملتقى النيابي الشبابي السادس مؤتمرا برعاية معالي رئيس مجلس الشورى، طالب بتخفيض سن الترشح لعضوية المجالس البلدية والنيابية الى 25 عاماً، وإنشاء صندوق لدعم البحث العلمي، كما برزت مقترحات أخرى مثل أهمية وجود كيان أهلي مستقل يعنى بمراقبة الاداء البرلماني ونزاهة البرلمانيين وكذلك نزاهة العملية الانتخابية وتطويرها. فالرقابة الشعبية سوف تخدم العمل النيابي، خصوصا إذا كانت مدعومة من الحكومة ومن المجتمع، وحثت على تطوير مسيرة العمل البرلماني، وتعزيز قدراته. اتضح أن تشكيل لجان شعبية في الدوائر الانتخابية يمكن ان يكون أحد الآليات التي من شأنها ان تعمل على مساعدة النائب في قراراته في التصويت والتعرف على الرأي العام بشكل مباشر. ويمكن ان تكون هذه اللجان الشعبية مترابطة ومتصلة مع بعضها لتمثل شبكة تكرس حيوية المجتمع ومنظماته وتدعم مشاركته الفاعلة في العملية الديمقراطية.
هذه المبادئ التي برزت يمكن ان تكون مادة جيدة لإجراء مسوحات ودراسات وأبحاث تدرس المبادئ والمعايير التي برزت في هذه الانتخابات وغيرها والاستفادة منها في تطوير مسيرتنا الديمقراطية بما تقتضيه المصلحة العامة، وسلامة التنمية والازدهار الاقتصادي وما يتطلبه مبدأ توازن السلطات والمجتمع والشارع التجاري. تطوير مسيرتنا مسؤولية تقع على المجلس النيابي بالدرجة الاولى وبدعم ومساندة الحكومة وبتفاعل المجتمع المدني. يتحقق ذلك بقيام كل بمهمته في خلق هذا التعاون والتوازن. ويتطلب ذلك زيادة النشاط البحثي في عملية التطوير وزيادة عدد استطلاعات الرأي وإجراء الابحاث والدراسات للوقوف على سبل دعم المسيرة الديمقراطية. ليس فقط دراسات مباشرة في عمل المجلس ومدى استفادته من الصلاحيات الحالية وكيفية تطويرها، وإنما كذلك دراسات وأبحاث اجتماعية تبين مدى تطور المجتمع ورفع مستوى المعيشة وبالذات الطبقات المحدودة الدخل، والارتقاء بالخدمات الحكومية والضمان الاجتماعي ليمثل شبكة حماية تعزز جهود التنمية.
رابط المقالة على موقع صحيفة أخبار الخليج